قد يعبر أطفالنا عن تذمرهم، أو قلقهم، أو عدم استقرارهم بصورة جسدية مغايرة للصورة اللفظية التي يعبر بها الكبار، كأن يؤدوا حركات اعتيادية ذات إيقاعات معينة، وكلما ازداد توبيخهم على فعلها، ازداد فعلهم لها كرد فعل منهم تجاه أمرما، فمن الأطفال من تجده يمص أصابعه خلال مشاهدة التلفاز، ومنهم خاصة الإناث من تقضي الوقت في اللعب بشعرها، وآخرون يرفرفون بأيديهم أو يحبسون تنفسهم دون مبالاة لتوبيخ الآباء لهم بالتوقف عن ذلك.
تقول ربة المنزل رنا علي إن طفلها الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره يعض يديه بصورة مزعجة، حتى تتضح عليها علامات أسنانه، ولم تجد طريقة لتمنعه من فعل ذلك، مبينة أنه يفعل ذلك حين يتعرض لعقاب ما من والديه، أو حين يتم حرمانه من أمر يريده .
وقالت عبير عسيري إن طفلتها وعمرها خمس سنوات تضرب دوما رأسها بقوة خاصة حين تبكي أو تغضب، وكلما ازداد توبيخها لها، ازداد عنادها وفعلها لذلك بصورة مزعجة.
وعن هذا السلوك لدى الأطفال يقول الاستشاري النفسي الإكلينيكي الدكتور وليد الزهراني إن أول وصف لاضطراب الحركات النمطية لدى الأطفال كان في بدايات التسعينات، حيث تم اعتبارها كأعراض ذهانية عند الطفل، ومنذ ذلك الوقت ظل التعامل معها على أنها أعراض لكل من الاضطرابات الذهانية والعصبية، أو أن تكون نتيجة أسباب لا مبرر لها، أو غير معروفة، وتتضمن هذه الحركات ضرب الرأس، وقضم الأظافر، واللعب بالشعر، ومص الإبهام، أو الرفرفة باليدين، وهز وعض الجسم، وصريرالأسنان، أوحبس التنفس، وقد تغيّر تعريف الحركات النمطية عبرالعشرين سنة الماضية، وانحصر في الحركات النمطية التي تسبب أذى جسدياً أو تأثيراً شديداً في الأنشطة الاعتيادية التي يمارسها الطفل، مع عدم وصف هذه السلوكيات الحركية إلى جانب الظروف نفسية، حيث توصف الحركات النمطية كاضطراب مستقل، بعيداً عن الظروف الصحية والنفسية".
وأضاف أنه "يمكن أن تظهر الحركات النمطية لدى عامة الناس من مختلف المراحل العمرية بما فيهم الأطفال الصغار والمراهقين، فقد يكون لدى الشخص سلوك واحد من الحركات النمطية أو أكثر، وقد تكون هذه الحركات بطيئة وبسيطة، أو تكون سريعة وشديدة، ومن الواضح أنها تزداد عند شعورالفرد بالملل، والتوتر، والإحباط، ويبدو أن هذه الحركات عبارة عن أسلوب لحث الذات، وأحياناً على أنها لجلب السعادة، فيما تعتبرالأسباب الأساسية لهذه السلوكيات غير معروفة"، مشيرا إلى انتشارالحركات النمطية بين الرضع والأطفال الصغار، حيث تفيد التقديرات أنه من 15-20% من الأطفال تحت سن الثالثة يظهرون نوعاً من الحركات النمطية والإيقاعية.
وقال إن "مص الإبهام، وهز الجسم هي آليات لجلب الراحة في السن المبكرة، وهي من الحركات النمطية المؤقتة، ومن العادة أن تتوقف عند سن الثالثة أو الرابعة من العمر، وهي مختلفة تماماً عن اضطراب الحركات النمطية، أوالحركات النمطية المنتشرة بين أطفال التوحد".
وعن الأسباب بين الدكتور الزهراني أن "الحركات النمطية أسبابها غير معروفة، ولكنها قد تكون نتيجة لحرمان حسي كإعاقة بصرية أو سمعية، أو إساءة استخدام عقاقير معينة، أو بسبب الأمراض الدماغية كالصرع، أو الاضطرابات النفسية الرئيسة كاضطراب القلق والوسواس القهري، والتوحد، أو الإعاقة العقلية، كما قد تكون الرعاية غيرالكافية المقدمة للطفل سبباً في مثل هذه الحركات".
وعن علاج الحالة لفت الدكتور الزهراني إلى أن العلاج ممكن ببرنامج تعديل هذه الحركات الذي يعتمد على تغيير السلوك الذي يُشعر الطفل بالمتعة، بسلوك آخر يُشعره بمتعة مشابهة أيضاً عند القيام به، فعلى سبيل المثال عندما يحك طفل التوحد ذراع شخص غريب من أجل استجلاب شعور بالسعادة والمرح الناجم عن الإحتكاك الجسدي، فقد يكون بإمكان الوالدين إحضار مجموعة من المواد مختلفة الملامس، بحيث يلمس الطفل أو يحك المادة التي تشعره بالسعادة، والتي تجلب له نفس الشعور الجيد بالراحة. وبالإمكان عمل وسادة صغيرة من هذه المادة للطفل أو بطانية لكي يستعملها في الوقت المناسب".
إذا كان ضرب الرأس يُشعر الطفل بالراحة، فبالإمكان استخدام تقنيات مختلفة مثل لف الرأس بقطعة قماش يحصل الطفل من خلالها على الشعورالمطلوب المفرح بالنسبة له بدون أن يضرب رأسه. أو ببساطة حاول إيجاد نشاط آخر بديل من شأنه أن يشعر الطفل بسعادة أكثر من تلك التي يجنيها من وراء ضرب الرأس ، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن ذات السلوك قد يكون أيضاً هو وسيلة الطفل للتعبيرعن ضيقه وعدم سعادته ، لذلك لا بد أن تتاح للطفل ممارسة نشاط ما من شأنه أن يساعد في تهدئته بدون إيذاء للذات أو الآخرين.
وأوضح الاستشاري النفسي الإكلينيكي أن الأمر قد يبدو غريباً على الوالدين في البداية، إلا أن الفكرة تتلخص في محاولة إخراج الطفل من حالة عدم الوعي بالسلوكيات الحركية، إلى نشاط هادف، علماً بأن اللعب بحد ذاته يعتبر سلوكاً هادفاً، وإن ذلك سيساعد الطفل على استعادة الشعور بالنظام والسيطرة.