لا يوجد على خارطة الأدب الخليجي أدب روائي يتحدث عن بداية الحقبة البترولية بتفاصيلها، من خلال الرواية، وهي أقدر فنون الأدب على محاكاة التاريخ بوسيلة ممتعة، باستثناء أعمال قليلة.

مرحلة بدايات النفط في دول الخليج غنية بأحداثها وحوادثها واستقبال أهلها لهذا الوافد الجديد من عمق الصحراء القاحلة ليصبح معجزة عصر، كما أنها ثرية بالوقائع والحوادث والمتغيرات العاصفة التي عصفت بإنسان هذه المنطقة ونقلته نقلة قوية خلال عقدين أو أكثر من الزمن.

هذا الثراء لم يغر أحدا من روائيي منطقة الخليج ليلج بابا غنيا بكل تفاصيله ما عدا حالة مختلفة إلى حد ما وهو كتاب (السواعد السمر) لناصر العثمان من دولة قطر، الذي صدر ربما في أوائل الثمانينات، والذي أرخ لبداية النفط أو الحقبة النفطية، وتناول في هذا الكتاب توثيق التاريخ الإنساني قبل وبعد النفط، وقد أورد في هذا الكتاب الذين شاركوا في بدايات هذا الاكتشاف البترولي، مبرزا دور الإنسان الخليجي ـ وخاصة القطري ـ من خلال رجال عملوا على تأسيس بداية النهضة النفطية، وقد ضمن الكتاب اتفاقيات ووثائق ومعاهدات.. ولكن المطلوب هو تجربة روائية لملحمة النفط في الصحراء، فهي باب فسيح لكل فنون الرواية من بدايات النفط وحتى الآن، فرغم أن ظهور النفط في الجزيرة أدى إلى تحولات عاصفة وقوية لكن إنسان الخليج منذ الأربعينات لم يؤثر هذا الاكتشاف في ثوابته الراسخة، إلا أنه تعامل مع النفط بذكاء ابن الصحراء وتعايش معه.

إن الأجيال المتعاقبة من الأدباء لم يؤسسوا لأدب هذه المرحلة المليئة بالأحداث المغرية لأي كاتب روائي ليكون سردا لتأريخ مرحلة حرجة مرت في هذه البلاد، والتي تتابعت عليها المتغيرات حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من نهضة علمية وحضارية، لكن هناك من دفع الثمن من جيل مضى، وهو جيل تأرجح بين البدايات والاستقرار، أولئك الذين شاركوا في التأسيس لهذه النهضة.

أدب النفط حاجة وثراء ونوع مختلف من الأدب، وأبوابه بكر لم تطرق، فقد انتقل الإنسان من مرحلة التنقل إلى الاستقرار ومن الفقر إلى تحسن المعيشة ومن الجهل إلى العلم.. ويبقى في تفاصيل هذه الأحداث عالم ثري لمن طرقه من أبناء النفط في منطقة الخليج العربي.