ذهبت لتلبية دعوة صديقتي، حينما دخلت وسلمت على تلك المرأة، شعرتُ بإحساسٍ غريب نحوها، فلم تكن كالأخريات، مختلفة في كل شيء، لا أعلم ما السر الذي جذبني إليها..!

تجاذبنا أطراف الحديث جميعنا، تعلوا أصواتنا ثم تنخفض بلحنٍ طروب، والضحكات تترنم وتتعالى، سواها هي كان الصمت يخرس حنجرتها بسكون مهيب، مكتوفة الأيدي كأن خناجر الخيبة تطحنُ جوفها أشلاء باهتة، تهز قدميها باستمرار، والدموع تعتصم محاجرها. تطرقنا لعدة مواضيع، حينها نظرت إليّ واستدارت بجسدها المنهك الهزيل نحوي، وأخذت شهيقاً عميقاً تتبعها تنهيدة، ثم زفرات ذبول كريح صرصر عاتية، خلفها ابتسامة خريف الشحوب المتمرد، وقدميها تتأرجحان بقوة، تحدثت وفي حديثها اضطراب من جلاد القنوط الذي سقاها كؤوس حنظل الدهور، كأنها تخاطبني من كوة عتمتها بسطوة خذلان وزحمة مخاض.

تخبرني بأن الحب بات لديها في قفص الاتهام، أسدل ستار البؤس جدائله، وصار الوجع لديها ينزف أنيناً تتراقص عليها الأيام، ليغفى جرحها بين أحضان الوجوم، على صدر الأوهام يلوح ألماً وحسرة على ما مضى، وعلى أريكة عينها المسهدة جلست العبرة تنتظر وتترقب وقت الفيضان، ثم شهقت شهقةً بتمتمات مبهمة وصمتت وهدأت حركة قدميها.


وفجأةً عم المكان صمت مطبق، ثم عدتُ لأكمل حديثي فقاطعتني، كأنها تريدني أن أصغي لما تقوله، أو أنها تريد إيصال رسالة ما..! عادت لتكمل كلامها، كنت أتأملها في كل كلمة تقولها، ألاحظ حركاتها وسكناتها، لم تكن إلا امرأة أشبه بشبح عادت من رحلة الموت، حيث بدا وجهها مصفراً وجسدها النحيل شاحباً لا رمق فيهما، يتخلل وجنتيها أخاديداً قاحلة، تسكنها سلسلة خيبات، انتزعت من داخلها قلادة الثقة العمياء ودفنتها باللحد، أما شعرها الأشعث فكأنه شعاع حزنٍ منمق، لم تكن إيماءاتها إلا فصولا تحكي عن حياتها بأشواك الخطوب.

أحسستُ بالاختناق من تشاؤمها الغريب، وقولها العجيب، ثم ودعتنا ورحلت، وفي عينيها بريق، وبقايا أنثى ميتة تجرها تارة وتركلها مرة، تعيش حبيسة قمقم الرّق الذي استبد وأباد ملامح البهجة وبين زواياه أنين لا ينقطع، تتنفس في ذبول الاحتضار، ليصبح لديها الألم بلا أمل، فلم يتبق منها إلا أنفاس تصارع بها الدنيا.

همسة:

الانفصال، الموت، وانعدام الأصدقاء.. ليست نهاية المطاف قد تكون بداية لحياة جديدة وتحديات عديدة.