يتذكر المرء ما شاهده في حياته من مسلسلات. يحاول نبش ذاكرته باحثا عما علق فيها من هذه الأعمال التي توازي حبات رمل صحراء الربع الخالي، فلا يجد إلا عملين أو ثلاثة، وفي أحسن تقدير لن تتعدى أصابع اليد الواحدة.
لماذا لا نتذكر من مئات المسلسلات التي مررنا بها إلا هذا النزر اليسير؟ لعل الإجابة تكمن في قلب تلك الأعمال التي ما زلنا نتذكرها ونتذكر إشارات بدايتها ونهايتها بشيء من الحنين اللاذع لأشياء جميلة اختفت في السنين الخوالي.
عودوا بضمائركم إلى تلك الأعمال، وأنا على يقين من أنكم ستجدون القيمة تملؤها. لن تجدوا في ذاكرتكم مسلسلا عن العشق الممنوع. أو عن شاب وسيم يمتلك قصرا وسيارة "همر" وشركة وأموالا طائلة.
لن تجدوا شيئا من مسلسلات الجشع والانحطاط الأخلاقي. فالذاكرة هكذا دون الحاجة إلى وعي لا تستطيع الاحتفاظ بما ليس له قيمة معنوية معتبرة.
كل الأعمال الدرامية الخالدة في ذاكرة الناس لا تخرج عن ثلاثة أشكال: الأول مرتكز على التاريخ والتراث الإنساني. والثاني على القضية والهم الإنساني القومي، والثالث على الأبعاد السياسية.
وفيما يعرض علينا اليوم، لا تجد شيئا من هذه المكونات حاضرا بأي شكل من الأشكال. كل ما هنالك مسلسلات سواليفية سمجة، لا تقدم تراثا ولا تاريخا ولا أي بعد إنساني يمكن أن يشفع لها بالجلوس في إحدى زوايا ذاكرة الناس.
كل ما هنالك محاولات لإحداث فرقعة درامية تشد الذين يشدهم أي شيء! غياب تام لكافة أشكال القيمة الإنسانية. ومن يتابع الدراما الخليجية اليوم، من أي مكان في العالم، فهو حتما سوف يعجز عن فهم تلك المجتمعات التي تمثلها هذه الأعمال الممسوخة.
حيث لا هوية ولا معنى ولا قيمة في جل ما يقدم اليوم باسم الدراما البريئة تماما من كل ما يحدث!