هذا الأسبوع مرّ سريعًا في شؤون الطاقة، مع الخلاف الذي نشأ بين مجموعة أعضاء أوبك بلص، وتحديدًا طلب الإمارات رفع حصتها الإنتاجية للفترة القادمة، مع توقعات بعودة ضخ براميل النفط الإيراني للسوق خلال هذا العام. ما يهمنا هو أن الأسوأ قد مضى في جائحة كورونا، وأسعار النفط بلغت مستويات قياسية مقارنة بمستوياتها في الثلاث سنوات الماضية، مع تراجع طفيف بسبب الخلاف «الأوبكي» المؤقت حول حصة النفط الذي سرعان ما سيعاود الصعود في ظل توقعات لبلوغ 80 دولارا للبرميل هذا الصيف.

على الصعيد المقابل، تعيش شركات البتروكيماويات انتعاشة صيفية رائعة، في ظل توقعات أرباح تتجاوز التقديرات السابقة للربع الثاني. لكن هذه الزيادة لا يجب أن تعطي شعورًا بالراحة لدى صنّاع القرار وقادة الشركات البتروكيميائية. فما هي إلا فرصة جديدة لزيادة المكاسب محدودة بحدود هذا العقد حتى 2030 على أن يتحول العالم فيما بعد وبعد دورتين اقتصاديتين إلى اعتماده شبه الكلّي على المصادر المتجددة أو المصادر المدوّرة -إن صح التعبير- فما سوف يحصل هذا العقد سيكون مشابهًا -إلى حد ما- ما حصل في العقد المنصرم ولن تكون بالتأكيد نفس ما سيحصل في مطلع العقد القادم والسبب بسيط جدًا وهو أن السياسات الدولية والغربية طويلة النفس تسعى إلى إحلال مصادر الطاقة المتجددة مكان الطاقة الأحفورية التقليدية بكل ما أوتيت من قوّة تحت مسميات (حلول مشكلة المناخ) أو (مواجهة خطر الاحتباس الحراري) وغيرهما، وستضطلع في الأول من نوفمبر القادم في جلاسكو لمراجعة خطط دول العالم نحو الحياد الكربوني وهو باللغة الغربية (صفر كربون) كما يقول جون كيري مبعوث الرئيس الأمريكي للمناخ.

حاليًا بدأت فعليًا الإدارة الأمريكية بفرض قيود على شركات إنتاج النفط والغاز الأمريكية لخفض انبعاثات الكربون وتدويره مع تعزيز استخدام البدائل المتجددة والسبب هو المشكلات البيئية على الولايات المتحدة في المقام الأول والسبب الثاني سياسي، وهو محاولة أخذ العالم لمسار تستمر فيه القوى الأوروبية وأمريكا قادرة اقتصاديًا على المنافسة فيه في ظل توقّعات بتراجع إجمالي الناتج المحلي الأوروبي في 2050م بنسبة %29 مقابل النمو الصيني والهندي.


ما يهمنا هنا أن شركاتنا البتروكيماوية عليها الاستفادة من هذه الأموال المكتسبة من خلال الدورتين الاقتصاديتين لضخ استثماراتها في تمكين التقنيات الزرقاء أو الدائرية في عمليات التقاط الكربون وفي تطوير سلاسل الإمداد للشكل الدائري الذي يضمن استعادة النفايات البتروكيميائية وتدويرها من جديد لضمان عدم تلويثها للبيئة من جهة ولتعظيم الاقتصادات من جهة أخرى، ولدينا في السعودية مثال رائع هو نموذج سابك تروسيركل TRUCIRCLETM الذي جمع الشركاء حول العالم في سلسلة مبتكرة لتدوير منتجات الكربون البلاستيكية تحت مسمى اقتصاد البلاستيك الدائري CCPE حيث بدأت سابك بالفعل في تطبيق هذا المفهوم مع شركة P&G العالمية وغيرها، واستفاد العالم منها خلال أزمة جائحة كورونا في توفير كميات هائلة من الكمّامات للحماية الشخصية. كما أن نموذج أرامكو للهيدروجين الأزرق وشحن أول شحنة في العالم من الهيدروجين على هيئة الأمونيا الزرقاء إلى اليابان جاء ليؤكد إمكانية وأهمية استخدام مصادرنا لإنشاء حزمة منتجات تعتمد في أبجدياتها على الفلسفة الدائرية الزرقاء والخضراء، وأعني هنا تدوير الكربون من طريق الالتقاط التقني لذرات الكربون في العمليات أو إنتاج الكربون نفسه من مصادر متجددة، كما ستفعل سابك أيضًا في اعتمادها على وسائل الكهرباء من الطاقة المتجددة في عملياتها الصناعية في أفران الحرق ووحدات التكسير.

قد يظن البعض أنني أتحدث عن أحلام أو عن أمور من الحسن تطبيقها، بل على العكس تمامًا، إن المستقبل الأزرق للبتروكيماويات سيكون حتميًا وسيخرج من الملعب كل اللاعبين الذين لم يستفيدوا من فرصة عودة الاقتصادات من جائحة كورونا خلال هذا العقد. وستصبح البوليمرات القابلة للتدوير والغاز المنتج من مصادر متجددة وثاني أكسيد الكربون الملتقط من علميات الإنتاج والأمونيا الزرقاء والأمونيا الخضراء منتجات ذات قيمة سوقية عالية، وسيسمح لها بالعبور عبر الحدود والسماح ببيعها وتداولها. غير هذه المنتجات سوف تكون خاضعة لرسوم وضرائب، وقد يتم منعها تمامًا من الدخول إلى الدول، ما يسرّع بخروج بعض اللاعبين من اللعبة نهائيًا أو يزيد من كلفة التطوير للعمليات.

وستتضاعف قوة وربحية الشركات البتروكيميائية التي تعتمد على الفلسفة الدائرية الزرقاء لإنتاج كيميائياتها وسيبقى العالم محتاجًا بالتوازي للنفط الخام وللكيميائيات الزرقاء في إنتاج الطاقة واستخدامات النقل والحياة اليومية، مع التوقعات بزيادة حجم اقتصادات العالم مدفوعة بالنهضة الصينية والهندية والشرق أوسطية.