عام مضى على مقتل أسامة بن لادن. في الأول من مايو العام الماضي استيقظ العالم على نبأ مقتل أسامة بن لادن برصاص القوات الأميركية الخاصة نتيجة عملية نوعية سرية مكثفة في مخبئه في باكستان. الأفغان آثروا الصمت ولم يجرؤ حتى الذين لا يحبون القاعدة على الاحتفال بموت بن لادن خوفا من انتقام بقايا التنظيم أو حلفائه في حركة طالبان. رغم توقع موجة عنف واسعة في أفغانستان بسبب مقتل زعيم تنظيم القاعدة، لم تحدث عمليات أكثر من العادية من قبل الإرهابيين.

أفغانستان تستعد بعد 12 سنة من الحرب على الإرهاب، وبعد مقتل زعيم التنظيم الذي تسبب بكل هذه الفوضى العالمية، لمرحلة ما بعد انسحاب قوات الاحتلال الأجنبية التي ستأتي بعد حوالي عامين في 2014. القوات الأميركية التي يفترض أن تنسحب في 2014 تعد قوات الأمن الأفغانية لتسلم جميع المهام والمسؤوليات الأمنية في أفغانستان. الاتفاقيات الأمنية بين أفغانستان والولايات المتحدة التي تسمح لأميركا بالاحتفاظ بقواعد عسكرية في أفغانستان كانت إحدى القضايا المثيرة للجدل التي اتخذها الرئيس قرضاي، والتي دعا من أجل مناقشتها مجلس لويا جرجا، وهو ما يشبه مجلس الشيوخ ويتألف من كبار السن في أفغانستان، حيث عرض مع أعضاء المجلس أهمية توقيع هذه الاتفاقيات، مع أنه كان يتعرض لمعارضة شديدة من قبل خصومه ضد توقيع هذه الاتفاقيات الأمنية.

إيران وباكستان وجهتا نقدا مباشرا للاتفاقية الأمنية الأفغانية الأميركية، وعبر البلدان عن قلقهما للرئيس قرضاي. إيران تعتبر هذه الاتفاقية نوعا من فرض جار غير مرغوب به عليها، لأنها تعرض أمنها القومي للخطر. إيران قلقة من وجود القواعد العسكرية الأميركية بسبب علاقاتها المتوترة مع الولايات المتحدة، وهي قلقة بشكل خاص من إحدى القواعد التي سيتم إنشاؤها قرب الحدود مع إيران. الرئيس قرضاي وحكومته أكدوا لإيران مرارا أنهم لن يسمحوا لأي بلد، بما في ذلك الولايات المتحدة، باستخدام الأراضي الأفغانية لمهاجمة إيران، لكن ذلك لم يكن كافيا لتطمين طهران.

لكن ما أكد عليه الرئيس الأفغاني أكثر من أي شيء هو مصلحة بلاده الكبيرة في توقيع الاتفاقية مع أميركا. أحد الشروط التي وضعها قرضاي للقبول بالاتفاقية كان وقف العمليات الليلية وتفتيش منازل المدنيين. منذ أسبوعين، تم تسليم القوات الأفغانية بشكل كامل مسؤولية العمليات الليلية وتوقف الأميركيون تماما عن تفتيش منازل الأفغان.

هناك عامان حاسمان أمام أفغانستان حاليا، حيث ستبدأ خلال هذين العامين عملية انسحاب القوات الأجنبية، وخاصة القوات الأميركية، كما ستتم خلالهما الانتخابات الرئاسية الأفغانية. قرضاي، الذي لم يكن معروفا لدى كثير من الأفغان من قبل، جاء إلى السلطة بترشيح من المبعوث الأميركي في 2001 زلماي خليل زاد. لم يكن أحد يأخذه على محمل الجد، وكان قادة المجاهدين يعتقدون أنهم سيستطيعون التأثير عليه بسهولة، لكنهم فوجئوا بقدرات وأداء هذا الرجل. وقد استطاع قرضاي التخلص من كثير من قادة المجاهدين وسيطر بشكل كامل تقريبا على البلاد. الفترة الرئاسية الثانية التي ترشح لها قرضاي كانت نتائجها مثيرة للجدل، لكنه مع ذلك تولى رئاسة البلاد لفترة ثانية. كان واضحا للجميع أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يعنيه كثيرا فساد حكومة الرئيس قرضاي.

بحسب الدكتور سبانتا، رئيس مجلس الأمن القومي الأفغاني، فإن الاتفاقية الأمنية الأميركية-الأفغانية ستدوم حتى عام 2024 مع احتمال التمديد. سبانتا يرى أن هذه الاتفاقية بقدر أهميتها للولايات المتحدة فإنها تخدم المصالح الأفغانية أيضا. مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي لا يستطيع قرضاي أن يترشح فيها بشكل قانوني، يمكن رؤية هذه الاتفاقية على أنها أهم إنجاز له على مدى 12 سنة رغم فشله في محاربة الفساد وتحقيق السلام في البلاد. ومهما حدث بعد حلول عام 2014، وبغض النظر عن شخص الرئيس الجديد لأفغانستان، سوف تضمن هذه الاتفاقية الأمنية حماية أفغانستان ضد أي عدوان خارجي على الأراضي الأفغانية. أحد الأهداف الهامة الأخرى التي يجب على قرضاي تحقيقها قبل نهاية فترته الرئاسية هو الوصول إلى اتفاقية سلام مع حركة طالبان. محادثات السلام التي توقفت منذ حوالي ستة أشهر بعد موت رئيس المجلس الأعلى للسلام، البروفيسور برهان الدين رباني، سوف يعاد استئنافها مرة أخرى هذا الأسبوع.

بقي أقل من سنتين حتى يحدد الرئيس قرضاي ما يريده حول الفرص التي يمكن أن يؤدي ضياعها إلى ضياع جهود السلام وتترك دول المجتمع الدولي أفغانستان تحت تصرف وسيطرة شعبها. الوقت قصير جدا وهناك أمور كثيرة يجب عملها خلال هذه الفترة. الخطوة الأولى والأهم كانت توقيع الاتفاقية الأمنية الإستراتيجية في الأول من مايو. الخطوة الثانية هي الانتخابات وتهدئة قلق الشعب الأفغاني الذي لا يريد أن يعود إلى العصور الوسطى. ولكن ماذا عن الانتخابات؟ هل يمكن إجراؤها في الوقت المحدد ودون أي مشاكل؟