فعندما تشاهد الطفل يسعى إلى لفت نظر والديه وإبهارهما، فهو يبحث عن مكانة خاصة له، ربما من خلالها يحصل على كل ما يريد من ألعاب وغيرها.
وعندما تشاهد تصرفات غريبة، يفعلها المراهق، هو في الحقيقة يتطلع من خلال هذه التصرفات إلى التميز و إيجاد مكانة له بين أقرانه. وكذلك الشاب الذي يبحث عن عمل، تجده حريصا كل الحرص على البحث عن وظيفة ذات مكانة معينة، يمكن له من خلالها أن يجد نفسه في مكانة أفضل، وكذلك الموظف نجده دائماً ما يحرص على أن يبحث عن مكانة خاصة له في إدارته، وحتى إذا ما طالعنا الشرائح الأخرى من المجتمع، نجد أن الجميع ربما بلا استثناء يبحثون عن مكانة.
ومن طالع التاريخ القديم عبر جميع عصوره، يجد أن أغلب الحروب كان المسبب الحقيقي لها، هو السعي للوصول إلى مكانة سواء أكانت هذه المكانة دينية أو اقتصادية. إذاً فالبحث عن مكانة، يعتبر ممارسة طبيعية ومنطقية، في داخل النفس البشرية، فعندما يحصل الفرد على مكانة، يمكن له أن يلاحظ زيادة في حب الآخرين له، فيصبح تحت أنظار الآخرين وموضع عنايتهم، على عكس الشخص الذي لا يتمتع بمكانة، فيشعر بأنه غير ملاحظ ولا ينتبه له أحد.
ولعلي هنا أتذكر أبيات الشافعي حين قال:
عطس الغني فقال
ممن حوله رحم الإله..
حبيبنا وأخانا
وأتى الفقير بعطسةٍ
فتأففوا من ذا الذي.. ب
زكامه آذانا؟.
و ما أود التأكيد عليه هنا، هو أن المكانة المرموقة هي أمر إيجابي، ولا بأس من السعي وراءه، فامتداح الآخرين لنا أو ذمهم، هو في حقيقة الأمر له ما له من تأثير، في المزاج العام للفرد، مهما بلغت القناعات أو العبارات، التي تدعو إلى عكس ذلك. ولكن ينبغي الحذر من أن يتحول هذا البحث عن مكانة، إلى هوس يؤرق الباحثين عنه، ويدعوهم إلى عمل أشياء غير مشروعة في سبيل الوصول إليها. وقد قال الشاعر قديماً بعد أرق طويل صاحبه في إحدى الليالي:
الليل في القلب لا في عتمة الأفق
والهم بالمجد أمواج من الأرق
مهما تعددت الأسباب وانشعبت
فالكبر في النفس ذلال على طرق.