لا يبدو أن الأخ الرضيمان قادر على أن يتخلص من أساليب الطرح القديمة، حتى وهو بلباس الاعتدال ويستند إلى أقوال ولاة أمورنا الذين نحسب لهم أنهم خلصونا من براثين الغلاة.

لقد نسي صاحبنا كلام ولي عهدنا المحبوب الأمير محمد بن سلمان في أكتوبر 2017 خلال منتدى الاستثمار في الرياض، عندما تعهد بأن السعودية لن تخسر سنوات مقبلة في التطرف، ولا بد من تدميره فورا.

لا شك أن معركة تسييس الدين هي القناع الأخير للمتطرفين في السعودية، وهم يحملون معركتها للحمل على كل مشروع تحديثي للبلاد فينعتون أصحابه بالعلمانيين والمتغربين.


والغريب أن صاحبنا قال، إني استشهدت في مقالي الأول بمفكرين علمانيين وهو يعني عبدالله العروي، وطلال أسد، والأول منهما مؤرخ مشهور كتب بطريقة علمية دقيقة في تاريخ الإسلام وفكره، ولا أظن شيخنا الفقيه قرأ له شيئا، وإن كان قرأه لم يفهمه، والثاني عالم أنثروبولوجيا عريق دافع عن الإسلام وصورته في الغرب أكثر بكثير من الرضيمان وربعه، وله نقد جذري للعلمانية لا يبدو أن صاحبنا سمع عنه.

ولقد أدركت من كلام الشيخ الفقيه أن ابن خلدون والغزالي علمانيان وهما من أكابر أئمة الإسلام وعلمائه، فلقد استشهدت بهما في مقالي الأول الذي زعم فيه أني لم أستشهد إلا بكتاب علمانيين.

الأمر نفسه يصدق على إنكاره أن الأشاعرة من أهل السنة، وهي نغمة غريبة لا يكررها إلا المتعصبون من السلفيين وإلا فأغلب علماء الإسلام من أتباع المذاهب الأربعة من الأشاعرة بمن فيهم أكابر الحنابلة. إنه في كلامه هذا يتحمل مسؤولية كبرى في تمزيق صفوف الأمة وتبديع المخالف، وهو ما يحذر منه دوما ولاة أمر هذا البلد الذي هو قبلة كل المسلمين.

لقد كرر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز هذه الفكرة مرارا، وأكد ولي العهد، مؤخرا، نفس الرأي قائلا، إنما يلزم الدولة هو فقط الثوابت الكبرى والنصوص المتواترة دون أحاديث الآحاد، وهنا أسأل الرضيمان أن يجيبني صراحة هل يقول بعدم إلزامية أحاديث الآحاد؟

كما أسأل الرضيمان ما رأيه في قرار هيئة كبار العلماء بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين حركة إرهابية منحرفة العقيدة ومثيرة للفتن؟

إن الخلط بين الليبراليين والإخوان ليس إلا حيلة ماكرة للهجوم على التيار الإصلاحي التحديثي الداعم اليوم بقوة لنهج الإصلاح والتطوير الذي يتبناه حكامنا، فهم متشبثون بالشرعية، مدافعون عن الدولة، لا يثيرون فتنة ولا يشعلون حربا.. فلماذا الزج بهم في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟

أما الآن، فلنبحث في جوهر الموضوع بتجاوز الإشارات والتلميحات بأني لست من الاختصاص بل اتهامي بأني مجرد عميلة تملى علي الأقوال ولم أتهم يوما بالجبن أو الخوف بل أجهر بقولي حتى في أيام الإرهاب الفكري الذي كان يمارسه من يعرفهم الرضيمان.

والحق هو أن الرضيمان بعيد عن مفهوم السياسة ونظريات الشرعية والدولة، التي تحتاج لاطلاع كامل في العلوم السياسية والاجتماعية، وهو في ذلك يرتكب الخطأ المنهجي الناتج عن فساد التصور والعجز عن تحقيق المناط الذي هو أساس تنزيل الأحكام الشرعية.

ما ذكرته أيها الفقيه من أن أحكام الإسلام تشمل الأمور الفردية والجماعية لا خلاف حوله، ولم أقل أبدا لا في المقال الأول أو الثاني بالفصل بين الدين والدولة، وإنما قلت إن الدين ليس سياسة، والإمامة ليست من أصول الاعتقاد.

أما كون الدين ليس سياسة، فهذا بديهي من كون الله، تعالى، بعث الأنبياء لهداية الخلق ونشر الفضائل والنجاة في الآخرة، ولم يحدد النبي، صلى الله عليه وسلم، ركنا سادسا للإسلام غير الأركان الخمسة المعلومة من الدين بالضرورة، كما في حديث البخاري ومسلم.

فأين النصوص الصريحة الواضحة حول الطابع السياسي للدين؟

ألا يعني القول بأن الإسلام دين ودولة الاعتقاد ضمنا أن الإسلام ليس مجرد دين لكنه إضافة إلى ذلك مشروع سياسي وهو قول عتاة المستشرقين وأعداء الإسلام؟

أرجو أن يجيب الرضيمان صريحا على هذا السؤال، وألا يختفي حول شمول الشريعة للأمور الدنيوية وهو أمر بديهي لا خلاف حوله والتذكير به من الحشو.

أما كون الإمامة ليست من أصول الاعتقاد، فلا يمكن للرضيمان ولا غيره أن ينفيه مهما نقل من أقوال العلماء، ذلك أن أهمية الدولة أو حتى وجوب الإمامة شرعا أو عقلا أو هما معا ليس هو الموضوع، بل المشكل هو اعتبار نصب الإمامة شأنا من شؤون العقيدة، وهو كلام الشيعة الذين يؤمنون باستمرار النبوة في الإمامة المعصومة، أما أهل السنة فيرون وجوب الإمامة وحاجة الدين والأمة إليها لكنهم لا يعدونها من أصول الاعتقاد.

إن أقصى ما نقله الرضيمان من كلام الإمام أحمد وعلماء أهل السنة هو النص على وجوب طاعة ولي الأمر واعتبار الإمامة من مقاصد الدين وكلياته، وتلك أمور لا خلاف حولها لكن الإمامة ليست من أركان الاعتقاد ومسلمات الإيمان.

لن يشفع لك تكرار ولائك لأهل الأمر وذكرك لوجوب البيعة والطاعة، فلست أكثر اتباعا ولا ولاء منا.. الفرق الوحيد هو أني أؤمن بالدولة وشرعية إنجازها وبقيم المواطنة والمساواة والتحديث التي هي مقوم استقرار الدولة وعصرنتها.. فهل توافقني الرأي.

طلب مني الرضيمان ألا تأخذني العزة بالإثم فشكرا له على النصيحة، وأكرر له النصح من جهتي مستشهدة بالآية الكريمة: «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا».