كشف مدير عام مركز تاريخ مكة المكرمة في دارة الملك عبدالعزيز، الدكتور فواز الدهاس لـ«الوطن» أن المفكر السوري فراس السواح التبس عليه الأمر في قوله إن «أصول قبيلة قريش من بلاد الشام، وأنهم هاجروا إلى الجزيرة العربية قبل 120 سنة من ولادة النبي صلى الله عليه وسلم»، مبينا أن جزيرة العرب تسمى ببلاد العرب، والجزيرة بالمفهوم الجغرافي هي الأرض التي تحيط بها المياه من أربع جهات.

وأبان الدهاس أن «الجزيرة عند جغرافيي المسلمين تحيط بها المياه من جهاتها الأربعة، فتكون بلاد الشام من أقاليم الجزيرة العربية، فيحدها غربا بحر القلزم والبحر الأحمر وشرقا الخليج العربي وجنوبا بحر العرب وشمالا نهر الفرات الذي ينبع من جبال طرطوس بتركيا، الحد الشمالي لها، إذا يتجه من الشمال الشرقي صوب الغرب حتى يلامس شواطئ البحر الأبيض المتوسط عند مدينة قنسرين ثم ينعطف جنوبا حتى يلتقي بنهر دجلة عند شط العرب ثم يصب في خليج العرب».

إشعال الجدل


أعاد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي نشر مقطع فيديو قديم من إحدى حلقات برنامج «يتفكرون»، يتحدث فيها المفكر السوري فراس السواح عن أصول قبيلة قريش، حيث قال إن «النبي محمد أحد أعظم الشخصيات الفكرية في التاريخ هو ابن الجزيرة العربية، ولكنه في نفس الوقت هو ابن قبيلة قريش التي وفدت إلى مكة قبل 120 سنة من ولادة النبي، وهي قبيلة سورية في الأصل، كانت تعيش في بادية الشام، ولها علاقات ثقافية مع الوسط الثقافي السوري».

ولم يكن حديث السواح هو الأول من نوعه في هذا الجانب، فثمة أبحاث عدة تناولت الأمر، من بينها كتاب «فقه اللهجات العربيات، من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية» الصادر عن (دار شمأل، دمشق 2001) وفيه يطرح مؤلفه الدكتور محمد بهجت قبيسي نظريته المثيرة للجدل، والتي تقول إن «أصل قريش من بلاد الشام، وتحديدا من سورية، واعتمدت نظريته على التاريخ اللغوي والطقسي الذي رسخته قبيلة في الجزيرة العربية من خلال ثقافتها ولغتها، بناء على إحصاءات لغوية تم من خلالها حصر عدد الكلمات المشتركة بين اللغات القديمة التي كانت النواة التي تشكلت منها اللغة العربية».

قريش من كنانة

يضيف الدكتور الدهاس أن «قبيلة قريش قبيلة عربية من كنانة، نشأت في أطراف مكة المكرمة متفرقة، وكانت العرب لا تسكن هذا الوادي لقلة الماء فيه»، مضيفا «على الصعيد ذاته فإنه بعد هجرة إبراهيم الخليل عليه السلام وزوجه هاجر وابنهما إسماعيل، وعمارة البيت ونبع ماء زمزم، تقاطرت قبائل العرب لتسكن فيه من كل حدب وصوب حتى كان عهد خزاعة».

وأشار الدهاس إلى أن «قبيلة قريش كانت تعد الوسيط التجاري بين الشام وبلاد الروم وجنوب جزيرة العرب، وقد تزوج كلاب أثناء إحدى رحلاته بأم قصي ثم طلقها وبقيت في بلاد الشام وتزوجت قضاعة، فكان قصي اسمه زيد وإنما أطلق عليه قصيا لأنه قصي عن أهله بعيد عنهم، وكعادة الصغار كان أبناء قضاعة كثيرا ما يعيرونه بأنه ليس منهم وأنه غريب عنهم، وهو الأمر الذي أثر في نفسيته، فسأل أمه ممن هو؟».

وأبان الدهاس أن أم قصي قالت لابنها «والله إنك من أشرف الناس نسبا ومن أطهرهم بقعة، وإنك من مكة وأخبرته أنه من قبيلة قريش»، فاضطر الغلام إلى أن يرتحل ضمن قافلة قريش التجارية من الشام إلى مكة، وانضم بذلك إلى خزاعة وعاش معهم وتزوج منهم، لكن بعد وفاة حليل شيخ خزاعة دخل في صراع مع خزاعة وخرج إلى ضواحي مكة ليستنجد بقريش التي قدمت ودخلت في صراع مع خزاعة وطردتها من مكة، واستمر قصي مع قبيلته في مكة، ويعد هو أول مصمم عمراني في مكة، حيث خططها إلى رباع وأسكن أفراد قبيلته حول الكعبة.

استنتاجات القبيسي

نظرية القبيسي في كتابه «فقه اللهجات العربيات، من الأكادية والكنعانية وحتى السبئية والعدنانية» بنيت على رأيه الذي يلخص بكل مما يلي:

«اللهجة العربية العدنانية (العربية الفصحى) تحوي من الآرامية 75% من مفرداتها، كما أن الآرامية تحوي من العاميات 11.2%.

العربية العدنانية تحوي من الكنعانية ما هو بحدود 94%.

إن العربية العدنانية تحوي من الأكادية بفرعيها الآشوري والبابلي بحدود 60% رغم غربتها وتأثرها بالدخيل، ألا وهو السومرية.

إن العربية العدنانية لا تحوي أكثر من 65% من العربية السبئية أو العربيات الجنوبيات.

بمعنى آخر فإن اللهجة العربية العدنانية تمت بصلة إلى الشمال أكثر مما تمت بالصلة إلى الجنوب».

ويضيف «أسماء الأشهر القمرية: محرم، صفر، جمادى 1، جمادى 2، ربيع 1، ربيع 2، رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة، ذو الحجة، تحوي 8 أشهر مناخية (والمناخ شتاء وصيفا واضح في الشمال أكثر منه في الجنوب) و4 أسماء دينية. وإذا ما أجرينا المقارنة التالية:

الترتيب بعد إجراء النسبية بين ربيع وجمادى، وهكذا نجد 8 أشهر تحمل معنى مناخيا هي: صفر، ربيع 1، ربيع 2، شعبان، رمضان، شوال، جمادى 1، جمادى 2، و4 أشهر تحمل أسماء دينية، منها 3 سرد وواحد فرد هي: ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، والفرد رجب.

ولما كانت الفصول الأربعة واضحة في بلاد الشام، وغير واضحة في شبه الجزيرة العربية، اضطر أصحاب هذه الأشهر إلى استعمال القمر لمعرفة المواقيت، فأسقطت أسماء الأشهر المناخية الشمالية على الأشهر القمرية في شبه الجزيرة العربية».

اختلافات

يكمل القبيسي حديثه عن قريش، ويقول «لا شك أن قبيلة قريش وافدة إلى مكة وقد سبقها في الإقامة بها قبيلة جرهم، وأن معنى قريش هي الجماعات التي قبلت التعايش مع بعضها لحماية نفسها، ومعنى قريش من قَرَشَ أي جَمَعَ فهي مجموع لأكثر الأطراف الشمالية ذات اللهجات المتعددة فأخذت أحسنها وألفت القبيلة «قريش». كان لقصي زعيم قريش بيت دائم في دمشق. ورحلة الشتاء والصيف التجارية كانت متأصلة بقريش فمعرفتها في الشمال كانت كبيرة.

اسم الشمال في العدنانية من شمأل عاصمة «مملكة يادي الآرامية» الواقعة في شمال غرب سورية (لواء اسكندرون اليوم) وهي مدلول على الاتجاه، أما اسم الشمال في اليمن فهي أشامن، حيث كان اليمني يقف قبالة الكعبة باتجاه الشرق فيقول: أيامن: أي الجنوب جهة اليمن، أشامن: أي الشمال جهة الشام. فالشمال في العدنانية من شمأل وهي في شمال بلاد الشام والشمال في اليمنية من الشام. يقول امرؤ القيس: فتوضِح فالمِقْراةِ لم يَعْف رَسْمها/ لما نَسَجَتْها من جَنوبٍ وشَمألٍ».

لكل هذه الأسباب يلخص القبيسي إن «قريش أتت من الشمال ولم تأتِ من الجنوب كما يشاع، نخص في ذلك قرب العدنانية للكنعانية والآرامية الشماليتين أكثر منها للسبئية الجنوبية».

تقسيم العرب

يقسم مؤرخو العرب الأوائل، العرب إلى ثلاثة أقسام هي: العرب البائدة والعرب العاربة والعرب المستعربة.

ويقولون إن «العرب البائدة، يراد بها تلك القبائل العربية التي كانت تعيش في الجزيرة العربية منذ أقدم العِصور، ثم اندثرت لسبب من الأسباب. ومن بينها عاد وثمود، وكذلك قبائل أخرى هي (طَسَم وجَدِيس والعماليق وجرْهم الأولى) وغيرها، وكل هذه القبائل لم تبق منها بقية في الجزيرة العربية، ومن بقي منها انتشر في البلاد دون أن يبقى له أثر.

العرب العاربة، وتنتمي إلى يعرب بن قحطان، وهؤلاء هم الذين أطلق عليهم مؤرخو العرب القحطانيين، كما سموهم أيضا اليمنيين أو عرب الجنوب. وكان موطنهم الأصلي في جنوبي الجزيرة العربية، ولكن لظروف مختلفة ـ منها الجفاف وانهيار سد مأرب والبحث عن مكان أفضل ـ هاجر كثير من قبائلهم إلى أنحاء مختلفة من شبه الجزيرة.

العرب المستعربة. ظهرت عندما رحل سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى مكة المكرمة مع زوجته هاجر، وهناك وهبهما الله سيدنا إسماعيل عليه السلام. ولما كبر إسماعيل تزوج من العرب العاربة وهي جرْهم الثانية، وسمي نسله العرب المستعربة أو المتعرِبة.

ويطلق على العرب المستعربة أيضًا العدنانيون والنزاريون والمعْديون، وكلها أسماء للدلالة عليها. ومن قبائلهم قريش وعبس وفزارة وربيعة ومضَر وغيرها».

تقسيم حسب الأنساب

مع اتفاق أغلب الرواة والمؤرخين على تقسيم أصل العرب إلى ثلاث طبقاتٍ، اتفق أكثرهم أيضا على تقسيم العرب تبعا لأنسابهم إلى قسمين، وهم: القحطانيون؛ ويعود أصلهم إلى اليمن، والعدنانيون؛ ويعود أصلهم إلى الحجاز، وكلا القسمَين كتِب لنسلِهما النجاة والبقاء بعد هلاك العرب البائِدة.

وقد اتفقوا كذلك بنسبة كبيرة على أن القحطانيين هم عربيو الأصل، أي أنهم تكلموا العربية منذ نشأتهم، أما العدنانيون فهم فرع من القحطانيين، حيث أخذوا منهم العربية وتعلموها.

وورد هذا التقسيم فيما تناقله ودونه المؤرخون في عصر الإسلام من الأخبار المنقولة بالتواتر، إذ لم يهتم العرب بتدوين التاريخ قبل انتشار الإسلام في ديارهم، كما لم يرِد تقسيم العرب إلى هذه الطبقات في التوراة أو أي مصادر يهودية أخرى، ولا في المصادر اليونانية، أو اللاتينية، أو السريانية، وعليه فإن هذا التقسيم قد وضعه العرب أنفسهم.

ويتفق أغلب الرواة على أن قحطان هو أبو اليمن كلهم، وقد خلف يعرب أباه قحطان بالملك، حيث حكم اليمن، وانتصر على من تبقى من قوم عاد. ويرجِع بعض المؤرخين ظهور العربية إلى يعرب، إذ يعتقدون أنه أول من تحدث بها وأعرب بلسانه، فنسِبت اللغة العربية إليه.

وتذكر بعض الروايات أن يعرب جاء إلى اليمن واستقر فيها مع أبنائه، إلا أنه لم يعرَف من أين أتى قبل ذلك على وجه التحديد.

وتقول الروايات إن «العرب المستعربة هم ثالث طبقات العرب، وهم من نسل إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وزوجته الجرهمية رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، ويطلَق عليهم في روايات أخرى العرب المتعرِبة، وكذلك العدنانيون، أو التراريون، أو المعديون، كما يسميهم ابن خلدون في مقدمته المشهورة العربَ التابعةَ للعرب، وقد سموا بالعرب المستعربة لاندماجهم في العرب العاربة، وبعدها أخذوا منهم اللغة العربية، حيث تعلم إسماعيل عليه السلام -الجد الأكبر للعرب المستعربة- اللغة العربية من مخالطتهم، علما أن أباه إبراهيم عليه السلام لم يتكلم العربية؛ حيث كان أعجميا».

المهد والموطن الأول

يروي أهل الأخبار والمؤرخون أن مكة كانت المهد والموطن الأول لنسل إسماعيل، حيث أنجب فيها 12 ابنا، هم: نابت، وقيذار، وأدبيل، وبسام، ومشمع، وذوما، ومسار، وحراه، وقيما، وبطور، ونافس، وقدما، وقد كان نابت أكبرهم، كما كان نابت وقيذر الأكثر اشتهارا في كتب العرب. ثم جاء من نسل إسماعيل، عدنان، الذي يعده العدنانيون جدهم الأعلى، ومن أشهر أبنائه: معد، وعك، وقد اختلف الرواة والنسابون في عدد الآباء بين إسماعيل وعدنان، حيث قال بعضهم إنهم أربعون، والبعض قال إنهم عشرون، وآخرون ذكروا أنهم 15، وقد جاء النبي محمد -عليه السلام- من نسل عدنان، وتذكر الروايات أن موطن العدنانيين هو تهامة التي تقع في مكة، إلا أن صعوبة ظروف العيش حملتهم على التفرق والتشتت في جميع أنحاء الجزيرة العربية، وصولا إلى العراق وبلاد الشام.

حجج القائلين بأن قريش من بلاد الشام

حجج مبنية على التقارب اللغوي، على النحو التالي:

%75 من العربية الفصحى مفرداتها آرامية

%94 من العربية العدنانية تأتي من الكنعانية

%60 من العربية العدنانية تأتي من الأكادية بفرعيها الآشوري والبابلي

%65 أقصى ما تحتويه العربية العدنانية من العربية السبئية أو العربيات الجنوبيات.

الاستنتاج

العربية العدنانية تمت بصلة إلى الشمال أكثر مما تمت بالصلة إلى الجنوب

أدلة من تسميات الأشهر ومعانيها

8 أشهر من الأشهر القمرية هي أشهر مناخية

الاستنتاج

الفصول الأربعة واضحة في بلاد الشام، وغير واضحة في شبه الجزيرة العربية، لذا أسقطت أسماء الأشهر المناخية الشمالية على الأشهر القمرية في شبه الجزيرة العربية

الأصل

ـ قريش من نسل نبي الله إسماعيل، وهو جاء إلى مكة المكرمة وافدا.

حجج المؤكدين أن قريش من الجزيرة العربية

- جزيرة العرب تسمى ببلاد العرب، والجزيرة بالمفهوم الجغرافي هي الأرض التي تحيط بها المياه من أربع جهات.

- تعريف الجزيرة يدخل بلاد الشام ضمن أقاليم الجزيرة العربية.

- قريش قبيلة عربية من كنانة، نشأت في أطراف مكة المكرمة متفرقة.

- قبيلة قريش كانت تعد الوسيط التجاري بين الشام وبلاد الروم وجنوب جزيرة العرب.

- والدة قصي بن كلاب، وكانت من بلاد الشام أجابته حين سأل عن أصله «إنك من أشرف الناس نسبا ومن أطهرهم بقعة، وإنك من مكة وأخبرته أنه من قبيلة قريش».