من المضحكات المبكيات في ذات – الآن – أن يجرأ أب على شكوى مشفى نجران العام لأنه أودع ابنه المعاق (17 سنة) في الثلاجة لشهرين من بعد وفاته بحجة أن المسؤولين لم يبلغوه عن حالة الوفاة. وجواب المشفى كان واضحا بلا لبس أنه عمل كل الإجراءات النظامية المتبعة في مطاردة أب انقطعت به كل وسائل الاتصال التي تركها في أوراق التنويم والمسألة برمتها لا تحتاج إلى تحقيق: من هو الأب الذي يترك ولده لأشهر طويلة على السرير ويموت الابن، ولشهرين لم يسأل الأب، وبعدها يجرؤ على السؤال وكأنه يقول: لماذا لم تتركوا ولدي على السرير لأنني قد أسأل عنه في أي لحظة، واللحظة لديه قد تكون سنة.
والقصة برمتها أننا ننجب دونما أن نسأل وفي كثير من القصص قد نجتهد لنطمئن أن ناقة حسناء في – مراحها – بعد المغرب أهم من السؤال عن ولد لا يطرق الباب إلا بعيد الفجر. أين كان ومع من هذا لا يهم. وللسنة الثالثة والعشرين على التوالي، يتصدر السعودي أرقام الشعوب في نسبة المواليد دون أن نسأل عن تبعات هذه القنبلة الموقوتة. وبالإحصاء، وعلى أول سطر – قوقلي – يظهر على الشاشة ستكتشف ولادة سعودي جديد كل 19 ثانية.
ماذا يعني هذا الرقم: فصل دراسي جديد ومعلم مستقل كل عشر دقائق. تشكيل كتيبة مدرعة كل ساعة ولواء آلي مجنزر كل ساعات ثلاث في مستقبل الصراع على الوظيفة. عاملة منزلية للاستقدام بمثل هذا المعدل الطبيعي كل ثلاث دقائق. جامعة متكاملة كل أربعة أشهر. وبكل اختصار، يمكن لي سرد هذه الإحصائيات من هذا المكان حتى الصفحة الأخيرة وفوقها سأحتاج لملحق إضافي لإكمال النشرة.
وخذ بالمقاربة النهائية أن إدخال وتحليل بيانات كل شاب على برنامج – حافز – يحتاج اليوم إلى خمس وعشرين دقيقة للفرد وكيف سيكون الحال مستقبلا إن كانت دقيقة اليوم الواحدة تشهد مساقط رؤوس ثلاثة. والخلاصة أن الرسالة من الغاية لا بد أن يستوعبها الجيل القادم وأن لا يكرر أخطاءنا وأمراضنا وإذا كان هو الجيل الذي وقع ضحية طرائق تفكيرنا كجيل سابق فله أن يعي الدرس كي لا يستنسخه لأولاده من بعده.
نحن الجيل الذي مات ولده ولم يعلم به من شهرين ثم يرفع الشكوى إلى المشفى وكأنه لا يعلم من أين تبدأ المسؤولية. طفل الغد في هذا الزحام المخيف يحتاج من والديه إلى تعليم نوعي وصحة بالكاش المباشر ولقمة عيش مختلفة عن زمن – البراح – والطفرة. وللجيل القادم أن يعي خطورة المسألة مثلما له أن يختار نمط الحياة ما بين علب السردين أو رفاه الدلفين. زحام المستقبل وأعباؤه وظروفه لم تعد تحتمل مفهوم العائلة الكبيرة وهذا ما قاله من قبلي علماء دين أجلاء والجيل السعيد هو من اتعظ بمن سبقه