تختلف المؤسسات الحكومية والهيئات والوزارات في طبيعة مهامها ومسؤولياتها المنوطة بها، ولذلك جرى تقسيمها وتصنيفها لقطاعات مختلفة بهدف تركيز عملها وتوجيه جهودها نحو تحقيق أهداف القطاع المعنية بمسؤولياته، دون إرباكها في مسؤوليات متشعبة، وتكليفات خارج نطاق أعمالها، وبذلك نحصد كفاءة تشغيل القطاع، وجودة أدائه وحسن متابعته، والتقييم المستمر لمستوى إنجازه المأمول. كما يسهل حوكمته وتقويمه، بناء على معايير ومؤشرات محددة، تؤطر عملية الأداء والتنفيذ والمتابعة.

عندما تُدمج بعض القطاعات التي تشترك في طبيعة مسؤولياتها المؤسسية ومهامها الوظيفية، فإن ذلك يُعد إنجازا مؤسسيا مهما، لتحسين أداء القطاع وضبطه في جميع أعماله التابعة، لأن تركيز أعمال القطاع في جهة واحدة مسؤولة عن مخرجاته وأعماله وإدارته كفيل برفع كفاءة التشغيل، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمستفيدين باختلاف مجالات أعمالهم أو القطاعات التي تشملهم. كما أنه وسيلة لضبط الحوكمة، والمتابعة الخارجية لأداء القطاع، وفق معايير وطنية ومؤشرات تستهدف الارتقاء والتميز المؤسسي، في ضوء «رؤية 2030».

الدمج المؤسسي لقطاعي «المؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية» يعد من إنجازات التطوير المؤسسي لأداء القطاعين، وتوحيد أعمالهما المشتركة تحت مظلة واحدة بمسمى «التأمينات الاجتماعية» هو ارتقاء وتنظيم لأداء القطاعين اللذين يشتركان في المسؤوليات والمهام الوطنية، علاوة على أن الدمج يُعد ضمن سلسلة من الإجراءات الإصلاحية لمؤسسات الدولة، التي يحتاج بعضها لتحديث عطائه وتنظيم أدائه وضبط أعماله التابعة، بما ينعكس إيجابيا على المصلحة الوطنية العامة، وعلى الاقتصاد القومي بمختلف مدخراته واستثماراته.


دمج مؤسستي «التقاعد» و«التأمينات الاجتماعية» تحت مظلة «التأمينات الاجتماعية» هو امتداد واستكمال لما تم إقراره قريبا حول نظام التحول والتخصيص، الذي يستهدف تحويل جميع منسوبي القطاعات المشمولة بالتحول أو التخصيص إلى نظام عمل «التأمينات الاجتماعية»، التي ستكون المظلة المؤسسية التي تحتوي جميع منسوبي تلك القطاعات المستهدفة، بما يشمل مستحقاتهم المالية والتنظيمية والإدارية، سواء كانوا على رأس العمل أم متقاعدين. وعليه، فإن عملية الدمج تنسجم وتتفق مع نظام التحول والتخصيص، بل هي امتداد له، باعتبار أن نظام التحول يقضي بتحول منسوبي الدولة في القطاعات المطروحة للتحول من نظام الخدمة المدنية إلى نظام التأمينات الاجتماعية، وفق تنظيمات وتشريعات ولوائح خاصة بذلك. أما تخصيص القطاع (الخصخصة)، وتحويله إلى قطاع خاص، فذلك يعني بطبيعته أنه سيتبع التأمينات الاجتماعية، ويخرج من مظلة الخدمة المدنية وتنظيم المؤسسة العامة للتقاعد السابق.

هناك دمج مؤسسي بين قطاعات في الدولة، لكن نتطلع إلى قرار عكسي، يقضي بالفصل بين بعض القطاعات، لتحسين أدائها وتجويد خدماتها للمواطنين والمستفيدين جميعهم، ومنها وزارتا «العمل والشؤون الاجتماعية» و«التعليم»، وذلك لاختلاف طبيعة الأعمال التي يضمهما القطاعان تحت مظلتهما، وهو ما كان من أحد الأسباب الجوهرية للتعثر في الأداء، وضعف المخرجات المؤسسية للقطاعين، لأن دمج قطاعات تختلف في طبيعة عملها أو تفاصيله يعيق عملية التركيز وإتقان الأداء، بل ويحول دون إمكانية المتابعة الفاعلة لأداء القطاعين. كما يعطل إمكانية تقييم نجاح تلك المؤسسات بالنزاهة والمهنية المطلوبة.

دمج «التنمية الاجتماعية» بجميع ما تشمله من مسؤوليات وتكاليف إدارية، وما تحتاجه من متابعة في تنفيذ برامجها ومبادراتها، علاوة على تقييم مستوى رضا المستفيدين عما تقدمه من خدمات، يصعُب تحقيقه تحت مظلة الوزارة نفسها، وهي تتحمل كذلك إدارة وشؤون جميع الموارد البشرية العاملة من المواطنين وغيرهم. كما أنه لا يُمكنها ذلك من معالجة الإخفاقات الظاهرة في إدارة سوق العمل، بما يكتنفه من إشكاليات مختلفة تتصل بهيكله الإداري والبشري والمؤسسي، فكانت النتيجة ضعفا في القدرة على استيعاب إدارة مسؤوليات القطاعين (العمل - التنمية الاجتماعية)، وما يواجههما من تحديات تعيق تحقيق أهدافنا الوطنية.

كما أن دمج مسؤولية «التعليم العام» بجميع ما يتحمله القطاع من مسؤوليات إدارية وبشرية ومؤسسية، مع مسؤوليات متابعة الجامعات وتنظيمها، ومخرجاتها من طلاب/ت، وأبحاث علمية، ومسؤولية اجتماعية، على الرغم من النظام الجديد للجامعات، لا يمُكّن من الإنجاز المرضي فيه، في ظل ما نشهده من اختلالات تلاحق كلا القطاعين المُدمجين بسبب تضخم المسؤوليات واختلاف طبيعة أعمالهما، وذلك لا يمنع من وجود إدارة متخصصة في تنسيق الأعمال والاتصال بين القطاعين فيما يستدعي ذلك، ولكن أن يدمجا تحت مظلة «وزارة التعليم»، فذلك يعيق تحقيق الأهداف المرجوة من أحد أهم القطاعات التنموية في الدولة، وبما يُسهم في استمرار جوانب الخلل فيهما.

الارتقاء بالأداء المؤسسي للقطاعات المختلفة، وتطوير منتجاتها وخدماتها، بما يخدم تحقيق أهدافنا التنموية وتطلعاتنا الإستراتيجية، يحتاج للمراجعة، وتصحيح تنظيمها الهيكلي، وبما يقتضي دراسة وحوكمة كثير من السياسات التي تطلقها الوزارات، التي لا نلمس منجزاتها الإيجابية المأمولة، أو لا نشهد لها ترجمة تطبيقية على أرض الواقع بالمستوى الذي يناسب تحدياتنا التنموية، وما نواجهه من إشكالات مُعلقة، أو بما يتفق مع برامج التحول الوطني والمنجزات التي نسعى إلى تحقيقها.