«1»

يعرف كل من قرأ مبادئ الجودة، مدى تأثير المدخلات على المخرجات، وأهمية ضبط كل العمليات لتقليل الهدر، والوصول للنتيجة الأفضل من أول مرة، وفي كل مرة. في أعوام مضت كانت كليات التربية، تستقبل الخريجين الذين لم يجدوا لهم مكانا في التخصصات الأخرى، وتنخفض معايير القبول فيها عن غيرها، ولعل من أهم خطوات إصلاح التعليم، رفع معايير القبول في كليات التربية، التعليم لا يقل أهمية عن الطب مثلا، بل المعلِّم هو من يجهِّز جيلا قادرا على دراسة وممارسة الطب.

«2»


يقسم الأطباء عند تخرجهم في كلية الطب، قسم أبقراط الشهير لممارسي المهنة، مستحضرين عظم المسؤولية الملقاة على عواتقهم، في مداواة أجساد البشر. ويعلن الطبيب بهذا القسم التزامه أمام الله سبحانه، بمنفعة المريض وحفظ صحته وكرامته وتجنيبه ما يضره أو يهينه.

أحلم بوجود قسم مماثل للمعلمين، يعاهد به المعلم الله سبحانه، على تأدية المهنة، واحترامها، والقيام بحقوقها، وعلى تحقيق منفعة الطالب، وإعداده ليكون متعلما قادرا على اكتساب العلم مدى الحياة، وتجنيبه ما يضر به قولا أو عملا. فمن يبادر من كليات التربية، ويكسب شرف السبق في إقرار قسم المعلم؟.

«3»

تبدأ الجامعات بعد أيام باستقبال طلبات المتقدمين، من خريجي وخريجات الثانوية العامة. الآلاف من أبنائنا وبناتنا سيضطرون لاختيار العديد من الرغبات، التي لا تتفق مع ميولهم أو استعدادهم ليملأوا قائمة الاحتمالات المتاحة. ويقال إن تعدد الخيارات يعني أن الإنسان لا يملك خيارا حقيقيا..

في التعليم البريطاني على سبيل المثال، يحدد الطالب أربع رغبات في أربع جامعات، ويخضع لمقابلة في كل جامعة، ثم يتم التخصيص بعد ظهور النتائج النهائية، بناءً على درجاته وعلى نتيجة المقابلة، التي استعرض فيها الطالب سجله المهاري والتطوعي والمهني. بعض الطلاب يقبل في كل الجامعات والتخصصات، التي تقدم لها وهذا يمنحه حق الاختيار، كما يضمن للجامعات بقاءه في الجامعة، التي اختارها وعدم تسربه.

اختيار التخصص في التعليم البريطاني، عملية طويلة تبدأ منذ التحاق الطالب بالصف العاشر، وتستمر لأربعة أعوام، ينمو خلالها شغف الطالب بالتخصص، ويكتسب ما يناسبه من مهارات ومعارف أساسية، ويشارك في عدة معارض للتوظيف في مدرسته، ليتعرف على مجالات العمل المناسبة للمقررات التي اختارها، وخارطة الطريق المهني لكل مهنة، ويعقد لقاءين على الأقل مع المرشد المهني في مدرسته، لكي يدرس خياراته ويصحح مساره.

إن التخطيط الطويل والمرحلي، يعفينا من التعايش مع عواقب سوء الاختيار، والنظر للدرجات فقط لا يمنح الطالب فرصة التعبير عن نفسه، أو إظهار هويته الحقيقية للقسم، الذي يرغب في الالتحاق به، وهذا لا يخدم خطة التعليم والتوظيف على المدى البعيد، بل يحمِّل الجهات كلفة إضافية في الوقت والمال والجهد.

لو بذلنا جهدنا في توجيه الطلاب، للتخصصات من الثانوية، سنقلل من برامج التدريب على المهارات الأساسية للوظيفة على رأس العمل، ولن نواجه انكشافا وظيفيا في التخصصات المرغوبة، وسيكبر شغف الطالب معه تجاه تخصصه، وهذا ما آمل أن نصل إليه مع مسارات الثانوية العامة، الذي أعلنته الوزارة قبل أسابيع، والذي يحتاج لمعلم متمكن وإدارة خلاقة، وطالب طموح يعرف أهدافه، ومرشد مهني يجمع بين الاطلاع والدراية، والقدرة على كسب ثقة الطلاب وتشجيعهم على تحقيق أهدافهم، فساعة من التخطيط السليم توفر على الإنسان ساعات من التصحيح أو الندم.