في أعقاب مشهد الهروب الطلابي من مدرسة بالمدينة المنورة، رصدته "الوطن" الاثنين الماضي، اتجهت إدارات مدارس في المنطقة أخيرا إلى زرع قضبان الحديد الحادة ونثر الزجاج على الأسوار، لمنع طلابها من الهروب، الأمر الذي حذر من عواقبه الوخيمة أولياء أمور وتربويون، داعين إلى الترغيب والابتعاد بالمدرسة عن أجواء السجن.
ورد مدير إدارة التربية والتعليم بالمدينة المنورة الدكتور سعود الزهراني على لجوء مدارس لنثر الزجاج على أسوارها، بالتأكيد على أن أي إدارة تستخدم تلك الأساليب لمواجهة هروب طلابها، ستحال إلى التحقيق، معتبرا توجه بعضها إلى مثل هذا التصرف "شخصيا ويهدف لحماية المدرسة من السرقة أو العبث بممتلكاتها"، ومقترحا "الكاميرات" حلا بديلا.
مدرسة تشوه لوحتها لتنفي واقعة هروب
بدت لوحة المدرسة التي شهدت حادثة هروب الطلاب بالمدينة المنورة أول أيام الدراسة والتي رصدتها "الوطن"ونشرت تفاصيلها الأسبوع الماضي مشوهة المعالم في محاولة لإحداث اختلاف بينها وبين الصورة التي نشرتها الصحيفة.
وخاطب مسؤولون بإدارة التعليم بناء عليها مدير المدرسة طالبين منه الإفاده حول ذلك إلاّ أن الأخير نفى حدوث عملية هروب الطلاب وأشار - حسب مصادر "الوطن" - للمسؤولين في إدارة التربية والتعليم أثناء طلب الإفاده منه أن الصورة المنشورة قديمة .
وكانت "الوطن" قد رصدت خلال جولتها تغييراً في معالم لوحة المدرسة الجنوبية والتي من أمامها تم التقاط صورة الطلاب أثناء قيامهم بعملية الهروب من الدور الثاني وذلك بقطع أجزاء من لافتة اللوحة بشكل هندسي في محاولة لتأكيد الإدارة لنفي حدثية الواقعة..
يدخل بعض الطلاب إلى مدارسهم وعيونهم على أسوارها، يترقبون اللحظة المناسبة للقفزعليها والهروب من الصفوف والدروس والمعلمين.. لحظات قد يراها الطلاب الهاربون أنها نوع من"الشقاوة" أو"التمرد" لا تضير أحدا، بينما هي في حقيقة الأمر تضير العملية التعليمية كلها.
ورغم أن هروب الطلاب وعدم رغبتهم في البقاء بالمدارس، مشكلة قديمة متجددة تتحمل عواقبها الأسرة والمجتمع، إلا أن منعها أو الحد منها مازال يأخذ شكل الاجتهاد الخاص، مثل التوعية أولجوء بعض إدارات المدارس إلى وضع قطع زجاجية وقواطع حديدية على أسوار المدارس الخارجية للحد من هروب الطلاب والتوضيح عند المساءلة بأنها لمنع السرقة، والذي وصفه أحد المتخصصين بأنه إجراء يحول المدرسة إلى سجن كبير.
ويرى البعض أن أسباب هذه الظاهرة تعود إلى الضغط المدرسي الكبيرعلى الطلبة من حيث المقررات المدرسية وعدم وجود بيئة تربوية جاذبة للطالب ومحفزة لبقائه فيها مدة اليوم الدراسي، فيما يرى آخرون أن الهروب يأتي لعدم انضباط الطالب وعدم تنشئته وتعويده على احترام الأنظمة والتخلق بها من الصغر وعن عدم توفر بيئة أسرية صالحة .
"الوطن" التقت بعدد من الطلاب والمعلمين والمتخصصين التربويين والمسؤولين الأمنيين، وناقشت معهم أسباب مشكلة هروب الطلاب وسبل منعها، كما رصدت احتياطات بعض المدارس للحد من الهروب بالمدينة المنورة والمتمثلة بزرع قطع الزجاج الصغيرة ونشر بعض قطع الحديد الجارح بأجزاء كبيرة من سورالمدرسة.
كشف الغياب
وقال طالب - رفض ذكر اسمه - إن مغادرة بعض الطلاب من المدرسة ترجع إلى شعورهم بعدم جدوى تواجدهم داخلها، مشيراً إلى أن كشف الغياب يتم "رفعه" بعد الحصة الثانية، ولا يتم تدوين الغياب في باقي الحصص .
وأضاف، أن عدم مقدرة المعلم على ضبط الصف الذي يفوق عدد طلابه 35 طالباً و إدارته بالشكل السليم تشجع الطلاب على اتخاذ القرارالسلبي بعد أن يرى أن وجوده بالصف مضيعة للوقت.
وأكد أحد زملائه أن من أهم أسباب هروب الطلاب من المدرسة جو المدرسة الصادم والتعامل الصارم مع الأولاد بالضرب أو الفصل أو التهديد المستمر من قبل المدرسين أو مديرالمدرسة، كما أن طرق معالجة المدرسين لبعض التجاوزات التي يرتكبها بعض الطلاب تكون محبطه مثل أن يصف الطالب بأوصاف مزعجة وبألفاظ محبطة.
وقال إن الهروب من الدراسة يقسم إلى نوعين الهروب الأصغر والهروب الأكبر، أما الهروب الأصغر فهو من الصف ويبرره الطلاب المتهاونون بتصرفات بعض المعلمين تجاه الطلاب بما يجعل الجو العام في الحصة كئيبا وغير مرغوب فيه، أما الهروب الأكبر فيتمثل بالهروب من المبنى، وهو ناتج عن استهتار الطالب وعدم جديته في طلب التعليم.
ويرى أحد أولياء الأمور حمد بن سلمان الجابري، أن المشكلة تكمن في الملل وروح السآمة التي يتجرعها الكثير من الطلاب خلال اليوم الدارسي، بدءا بالمناهج التي تعتمد على فكرة التلقين مرورا بالوسائل التعليمية المساعدة في تعليم المنهج، مشيرا إلى أنه على علماء التربية والمناهج النظر في هذه الظاهرة بعين الاهتمام وإيجاد الحلول الناجحة لها ، والعمل على ابتكار سبل تربوية وتعليمية تكسرالملل والروتين الذي دأبت عليه المدارس منذ عقود.
وحول الوسائل التي تلجأ إليها بعض المدارس لمنع الهروب بزرع قطع الزجاج الصغيرة ونشر قطع الحديد الجارح بأجزاء كبيرة من سورالمدرسة، نبه الجابري إلى العواقب التي قد تظهر من وراء تلك الاحتياطات الاحترازية التي عمدت اليها تلك المدارس، إذ إنه لربما ينتج عن ذلك إصابة البعض وتعرضه لجروج أو نقل الأمراض والعدوى من بقايا الزجاج أو قواطع الحديد التي تأخذ في التصدي مع مرور الوقت.
ويتفق معه في الرأي عبدالناصر صالح العمري، الذي يلخص الحلول في عدد من الأفكار التربوية منها تقليص فترات الحصص خاصة في المواد التي تقوم على التلقين والحفظ، وجذب الطلاب من خلال الأنشطة الترفيهيه كالمسرح والرحلات الأسبوعية وزيارة المعالم والآثار والمؤسسات الحكومية.
إهدار تربوي
ويرى المشرف التربوي بإدارة تعليم المهد محمد نغيمش الأحمدي، أن هروب الطلاب من المدارس إهدارتربوي هائل وتأثيره سلبيّ على جميع نواحي المجتمع وبنائه، فهو يزيد من حجم الأمية والبطالة ويضعف البنية الاقتصادية الإنتاجية للمجتمع والفرد.
وقال إن منع هروب الطلاب من المدارس يتطلب تفعيل الأنشطة اللاصفية وتنمية ثقافة انتماء الطالب لمدرسته، ووجود أخصائي اجتماعي يكون قريباً من الطلاب ويشاطرهم همومهم. وأرجع المشرف التربوي بتعليم منطقة عسير محمد الشهري، الهروب إلى التوترالعصبي الناتج من بعض العادات السيئة لدى الشباب مثل السهر والتدخين وتعاطي التنباك و بعض العادات الاجتماعية السيئة والظروف المنزلية والحالة المعيشية وجميعها أسباب تحول الطالب من باحث عن علم إلى متسلق للحواجز .
وقال إن المشكلة تحتاج لدراسة أعمق من قبل وزارة التربية والتعليم من أجل استئصالها من خلال مبادرات وأفلام توعوية وبرامج هادفة، إضافة إلى تفعيل النشاطات اللامنهجية .
ووصف الأكاديمي والإعلامي عبدالغني القش، هروب الطلاب بأنه يشكل منحنى خطيرا من الناحية الصحية والأمنية يستوجب التصدي له، مرجعا أسبابه إلى عدم وجود البيئة المدرسية الجاذبة للطالب، وقال إنه بالنظر والمقارنة بين المدارس نجد أن المدارس الرائدة مفتوحة الأبواب ولا يجد الطالب من يعترض طريقه إذا أراد الخروج ، عكس المدارس الأخرى التي يبتكر فيها الطلاب الأساليب والحيل للهروب.
تحويل المدرسة إلى سجن
في حين يرى الأكاديمي في قسم التربية في الجامعة الإسلامية والكاتب الإعلامي عبدالله الجميلي أن الهروب من المدرسة بشتى صوره سواء كان قبل بداية الطابورالصباحي، أو أثناء الدراسة أصبح ظاهرة متفشية ولاسيما بين الطلاب الذين هم في سِنّ المراهقة . وحسب بعض الدراسات فهناك عوامل متعددة لهروب الطلاب من المدارس منها: البيئة المدرسية الطاردة، وافتقاد المدارس للوسائل التعليمية التقنية الحديثة، كذلك افتقادها لوسائل الترفيه التربوية التي تُـرَفّه وتُعلم ، وقال"لنتصور مدارس تفتقد لحصص التربية البدنية لأنها تفتقر للملاعب الرياضية" .
ومن العوامل أيضا أن بعض إدارات المدارس والمعلمين يفتقدون الخبرة التربوية في التعامل مع الطلاب ، كذلك إهمال الأسرة وعدم تشجيعها لأبنائها، ثم هناك عوامل تتعلق بالطالب كأن يكون واقعاً تحت تأثير أصدقاء أو جماعات السوء التي تشجعه على الهروب .
وبين الجميلى أن هذه العوامل جميعها تدعو إلى مناقشتها وبحث حلول لها، ولكن أن تُعلي بعض المدارس أسوارها بأسلاك شائكة وزجاج لمنع الطلاب من الهروب، بحجة منع السرقات خاصة بعد موجة السطو التي تعرضت لها نحو 47 مدرسة في أواخر العام 2009، فهذا تصرف غير قانوي ولا أخلاقي، ولا تربوي ، وقال" هل المدرسة سِجن أو ثكنة عسكرية "، مشيرا إلى أن العالم المتحضر يحاول التخلص من السجون بعقوبات الخدمات العامة، ونحن نحول المدارس إلى سجون.
توفر الكاميرات
إلى ذلك، أكد مدير عام إدارة التربية والتعليم في منطقة المدينة المنورة الدكتور سعود الزهراني حرص وزارة التربية والتعليم على توفير المباني الحكومية للمنشآت التربوية والتعليمية بمواصفات فنية محددة، تضمن الأمن لكافة عناصر العملية التربوية والتعليمية في بيئة تربوية فاعلة وجاذبة ونشطة تحتوي على متطلبات العملية التربوية والتعليمية.
وذكر في تصريح لـ"الوطن" أنه ليس من ضمن هذه المواصفات إحداث إضافات في أسوار المدارس لتوفير الأمن لهذه المباني سواء أكان بالزجاج المكسور أو قطع الحديد أو خلافهما من الوسائل الأخرى، مؤكداً أنه في حال اجتهاد إحدى إدارات المدارس بإحداث أي تغييرات في مواصفات المبنى المدرسي فإن إدارة التربية والتعليم المشرفة تتولى عملية التحقيق في ذلك وإزالتها، وتوجيه إدارة المدرسة بالطرق التربوية إلى عدم العودة لمثل ذلك.
وقال الزهراني إن منطقة المدينة المنورة تضم أكثر من 1000 مبنى مدرسي حكومي من بين 1415 مدرسة، وقد يحدث اجتهاد شخصي في مدرسة أو مدرستين من بين مجموعة المدارس بهدف حماية المدرسة من السرقة وهو اجتهاد خاطئ وغير مقبول في ظل توفر وسائل الأمن المعاصرة كالحراسات الأمنية وكاميرات المراقبة.
وأشار إلى أنه سيتم تشكيل لجنة للوقوف على مثل هذه المخالفات الاجتهادية وغير المقبولة، للتأكد من أسبابها ورسم الخطط للإسراع بإزالتها لتكون ملائمة لما رسمته وزارة التربية والتعليم للبيئات التربوية والتعليمية.
واختتم الدكتور الزهراني تصريحه قائلاً: نؤكد حرصنا على توجيه القيادات المدرسية إلى جعل البيئة المدرسية بيئة فاعلة وجاذبة وغير منفرة للطلاب، تتيح أكبر فرصة لتعلم النشاط الذي يقبل عليه أبناؤنا الطلاب والطالبات بحب ورغبة.