تبنت دول مجموعة السبع (G7)، في اجتماعاتها التي عقدت الجمعة الماضي، ولمدة ثلاثة أيام، في بريطانيا، مبادرة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تحت مسمى «إعادة بناء عالم أفضل»، وتسمى اختصارا بـ«B3W»، التي جاءت، كما صرح القادة، لـ«احتواء النهضة الاقتصادية الشرقية الصينية». كنتُ أتابع بشغف كلمات قادة دول السبع خلال المؤتمر، لأستمع تحديدا لخططهم بشأن اتفاقية المناخ، التي كانت ضمن المحاور المهمة للمؤتمر، ولكن في الحقيقة جاءت اللغة أكثر دبلوماسية، وأقل تعهدا بشأن رصد الميزانيات السنوية بأقل من 100 مليار دولار، للوصول لأهداف خارطة «طريق الحياد الكربوني»، التي كانت بعيدة كل البعد عن الموضوعية.

وعلى الخلاف من هذه الدبلوماسية، جاءت اللهجة تجاه الصين حادة بعض الشيء، مع الوعد بأن «إعادة بناء عالم أفضل» ستحل محل مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، التي تستهدف تأسيس بنية تحتية ضخمة، تمتد من الصين شرقا إلى أوروبا غربا، في حين أن مبادرة «إعادة بناء عالم أفضل» تستهدف تأسيس شبكات من البنى التحتية للدول الفقيرة والمتوسطة، وهو ما دفعني لقراءة بيان البيت الأبيض، الذي لم يحدد نسبة الخفض التي تستهدفها المبادرة في تكاليف إنشاء البنى التحتية للدول الفقيرة والمتوسطة، التي تقدر بنحو 40 تريليون دولار.

لكنه حدد أن دول السبع تلتزم بضخ نسبة، تقرر لاحقا، من هذه المليارات، وطريقة تمويلها، على أن تتشارك دول مجموعة السبع، ومن ضمنها اليابان، في تعزيز تنفيذ المبادرة، بشكل غير واضح حتى الآن. تقوم مبادرة الرئيس بايدن هذه على ستة مبادئ توجيهية لمصلحة الدول الفقيرة والمتوسطة: «دعم البنى التحتية ذات القيمة المضافة»، و«تقديم إجراءات ومعايير الحوكمة عالية الجودة»، و«صناعة الاستثمارات صديقة البيئة»، و«عرض الشراكة الإستراتيجية القوية»، و«تحريك رؤوس الأموال الخاصة لدعم مشاريع البنية التحتية»، و«تعظيم أثر المالية العامة للدول الفقيرة والنامية».


لا أخفيكم، لقد انتابني شعورٌ بضبابية الفكرة أساسا، وهل هي ممكنة التنفيذ في وقت ترزح معظم اقتصادات الدول الكبرى تحت وطأة التبعات المالية لـ«جائحة كورونا». لقد فات على الغرب أنه لم يستفد إستراتيجيا من الفرص الكثيرة الناتجة عن العولمة والانفتاح الاقتصادي العالمي، من خلال تعظيم أثر الإنسان في الدول الفقيرة والمتوسطة. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بحاجة إلى ضخ المليارات، لتقوية بناها التحتية على المدى القريب، وكذلك الحال في أوروبا.

استهداف أفريقيا والشرق الأوسط بمبادرة «إعادة بناء عالم أفضل» لن يساعد الغرب على احتواء الصين اقتصاديا، لعدة أسباب، أهمها فقد الثقة في النوايا الغربية لدى الشارع العربي والشرق أوسطي، وعدم موثوقية التحالفات مع الغرب في كثير من القضايا السياسية، التي يتنحى الغرب فيها بغرابة، دافعا مصالحه أولا. كما أن الصين هي سوق كبير للغرب حاليا. وبالنسبة لأفريقيا، فقد غرقت في أزماتها المالية تبعا نتيجة تبني سياسات مالية توسعية مع معدلات فائدة مرتفعة، ولن تعود لتكرر الخطأ نفسه مجددا. لذلك، من المهم على دول مجموعة السبع أن تحدد كيفية تمويل هذه المبادرة بالوضوح نفسه الذي قامت به الصين في مبادرتها «الحزام والطريق».

وعلى العكس، تختلف الحال في مبادرة «الحزام والطريق» حتى الآن، فالصين تعتبرها نافذا بريا مهما ومستقبليا لازدهارها، في ظل سيطرة البحرية الأمريكية المطلقة، فضاء وبحرا، على أعالي البحار. وبالنسبة لأمريكا ودول السبع، فإن «الحزام والطريق» تهديد كبير لاقتصاداتها، وقد تعمد لإشعال منطقة الشرق الأوسط أو القوقاز، إذا تطلب الأمر، لإعاقة هذا المشروع، في حين أن الصين يهمها ازدهار وسلام الشرق الأوسط من أجل استدامة «الحزام والطريق».

لهذا يمكنني الملاحظة، بسهولة، أن دول السبع لم تقدم حتى الآن نموذجا يمثل «الفوز مقابل الفوز» للدول المتوسطة والنامية، أو لنقل الأقل اقتصادا، خلاف ما يقدمه الصينيون. كما أن هذه الضبابية في خطة خارطة «الحياد الكربوني»، ومبادرة الرئيس بايدن ودول السبع، لا ترسل أي إشارات ذات اهتمام بالمصالح المشتركة، ولهذا نجد أن اقتصادات الطاقة تبرز بقوة وبواقعية، لتشكل احتياجات النمو البشري للمائة عام القادمة، وأهم الأسباب هو انعدام رؤية الازدهار الغربية للعالم، وموثوقية إمدادات الطاقة، وأثرها الملموس في رخاء الإنسان، وهنا مكمن قوة اقتصادات الشرق الأوسط، والسعودية تحديدا، التي لديها كل أشكال منتجات الطاقة، بسعر هو الأقل كلفة في العالم، نفطا كان أو غازا أو هيدروجين. كما أن اقتصاد الصين يتربع على عرش العالم بشكل أصيل، ومصالح مشتركة مع العالم العربي والإسلامي.

فهل تمضي مبادرة «الحزام والطريق» بشكل يساعد الشرق الأوسط على الازدهار واستمرار إمدادات الطاقة أم أن الغرب سيستمر في دوامة الضباب هذه لحين فوات الأوان؟، إن لم يكن قد فات فعلا.

يقول المثل السعودي «اليد التي لا تقوى عليها صافحها»، وأقول للرئيس «بايدن»: أتمنى أن تصافح النفط، لأن مصافحة الصين أصبحت شبه حتمية.