منذ إنشائه في 1424، دأب مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني على إطلاق المبادرات والبرامج النوعية، التي يسعى من ورائها إلى تحقيق أهدافه ورسالته في ترسيخ ونشر قيم الحوار، وتعزيز الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش والتنوع، والانفتاح على الآخر، في إطار الوحدة الوطنية، وداخل إطار الكل الكبير الذي هو «الوطن»، ووفقا للثوابت الأساسية والمنهج الأخلاقي والفكر الحضاري، والإيمان الواعي بأن الحوار هو الوسيلة المثلى لتحقيق الأهداف الوطنية.

تأتي جائزة الحوار الوطني كأحدث المبادرات التي أطلقها هذا الصرح الكبير، الذي يكفيه فخرا أنه يحمل اسم الملك المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، وهي إحدى المبادرات المنبثقة عن إستراتيجية مركز الحوار الوطني، التي أطلقها منذ فترة وجيزة، لمواكبة مرحلة التطوير والنمو التي تشهدها المملكة في المجالات كافة، في ظل «رؤية 2030»، والتي تبنت منظومة متكاملة من القيم المجتمعية والإنسانية التي تدعو إلى التسامح والتعايش والتلاحم، بما يسهم في تلبية احتياجات مواطني هذه البلاد المباركة، وتحقيق رؤى وتطلعات قيادتنا الرشيدة - حفظها الله - نحو بناء مجتمع متلاحم لوطن مزدهر.

لا شك أن القائمين على المركز أحسنوا صنعا باستحداث هذه الجائزة، التي تقوم على استثمار وتوظيف الفنون الإبداعية في تحقيق الأهداف السامية للمركز، ليكون أحد المراكز الحاضنة للإبداع، وذلك من خلال توفيره منصات للفنانين والمبدعين، للتعبير عن أفكارهم وطموحاتهم، واستثمار قدراتهم ومهاراتهم التعبيرية بشكل غير تقليدي في الفن التشكيلي الجميل، والمقال المعبر اللافت، والفن القصصي، والبرامج الجماعية الممنهجة، والمنصات الرقمية الحديثة، وغيرها من الأعمال الفنية التي تبرز أهمية الفن، وتعكس الدور الكبير الذي يضطلع به في تعزيز منظومة القيم التي يعمل عليها مركز الحوار الوطني، تحقيقا لرؤية المملكة التي منحت الثقافة والفنون مساحة كبيرة للتألق والازدهار.


فطالما اعتبرت الفنون ونتاج الثقافات بأنواعها كافة أحد أذرع القوة الناعمة التي تتبلور عبرها رسالة سامية، تتجاوز حسية المادة، لإعلاء وتعزيز منظومة القيم الإيجابية، التي تعد الفنون إحدى أوعيتها، لتكون بمنزلة مظلة حقيقية لترسيخ ونشر ثقافة الحوار، وتعزيز قيم التسامح والتعايش والتلاحم والإخاء والسلام، وأيضا الضمانة الحقيقية لتحقيق التقدم والرخاء، ولا سيما في ظل ما يشهده العالم اليوم من عمليات الإقصاء والتطرف والإرهاب والتدمير والعنف.

وعلى وقع هذا الأساس الفكري والإنساني، يتحرك المركز اليوم، ويطلق هذه الجائزة التي أتوقع أن يكون لها أطيب الأثر في تأسيس فضاءات مضيئة من التسامح والتعايش والتلاحم، وهذا يبدو جليا في الأهداف العامة التي سطرت لها الجائزة، فهي تسعى إلى تشجيع الإنجازات الوطنية المقدمة من المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص أو مؤسسات المجتمع المدني أو الأفراد، التي أسهمت بشكل مميز وفعال في تعزيز هذه القيم التي يسعى المركز إلى ترسيخها في المجتمع، تحقيقا لوحدته الوطنية، وحماية لنسيجه المجتمعي.

وعلاوة على أهدافها وقيمها، تنبع أهمية هذه الجائزة من استنادها إلى مرتكزات أساسية، تتمثل في القيم الدينية والعربية المشتركة التي يقتبس منها المجتمع السعودي ثقافته وعاداته الأصيلة، وكذلك «رؤية 2030» التي تحمل تطلعات وطنية، تهدف إلى تعزيز قيم التسامح والتعايش والسلام، بالإضافة لإستراتيجية المركز التي تسعى ليكون مجتمعنا نموذجا في الازدهار والتسامح والحيوية، وأيضا التنوع الكبير الذي تزخر به المملكة في مختلف مناطقها.

كل الشكر والتقدير والعرفان للقائمين على مثل هذه الجوائز، التي تطرح فكرا مغايرا ومتفردا، وتحمل في طياتها معاني سامية، تدلتْ منها إضاءات لامعة نحو الاندماج الحقيقي القائم على قاعدة المواطنة، في ظل تآلف وتقارب وتعايش اجتماعي وثقافي وحضاري حقيقي ومنسجم، يغلب المصلحة العليا على المصالح الضيقة، ويقوم على المرونة والشفافية والوضوح، ويثري فكرة التواصل والتفاعل والتسامح والانسجام في المجتمع.