بادئ ذي بدء، كان الواجب أن نطلق على الأندية الأدبية التي بدأ نشاط بعضها في مدن المملكة الرئيسية منذ عام 1975 أندية "ثقافية" وليست أندية "أدبية" لكي تقوم بدورها الأكبر والأوسع المنتظر منها، وذلك للأسباب التالية:
1- إن الثقافة بمفهومها العام، أوسع نشاطاً وأعرض دائرة من الأدب. فالثقافة، تشمل كافة أنواع الفنون، كما تشمل النشاطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كذلك. إضافة إلى ذلك، فإن دائرة الثقافة تتسع للبحوث التاريخية والتراثية (الأركيولوجيا خاصة).
2- ولو تمَّ إطلاق مُسمى "الأندية الثقافية" على هذه الأندية، لاتسع نشاط هذه الأندية، ولم يُختصر على أجناس الأدب النثرية والشعرية المحدودة. ولامتد نشاط هذه الأندية إلى ما بعد الأدب بنثره وشعره.
3- ولو كانت هذه الأندية "ثقافية"، لامتد نشاطها إلى الاهتمام بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فقامت بدراسة وتحليل ومتابعة النمو الاجتماعي في المملكة، كما قامت في المنحى نفسه تجاه الحياة الاقتصادية، أما في المجال السياسي، فكان يمكن لها أن تساعد الناخب والمرشح في الانتخابات البلدية، التي جرت في المملكة عام 2005، بأن تنشر ثقافة الانتخاب، والعلاقة بين الناخب والمرشح. وأن تدفع بهذه التجربة الديمقراطية الرائدة إلى الأمام. وكانت أن قامت الأندية الثقافية الستة عشر، بمساعدة الدولة في وضع أسس قواعد جديدة للمجالس البلدية، بهدف توسيع مشاركة المواطنين في إدارة الشؤون المحلية، مما اضطر الدولة إلى تأجيل الانتخابات القادمة التي كان من المفروض أن تتم في هذا العام 2010 إلى سنتين قادمتين.
4- يقول عالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبار، في كتابه "المجتمع المدني في عراق ما بعد الحرب" أن المجتمع المدني، يرتكز على نوع من الاتفاق أو "العقد الاجتماعي" بين أفراد المجتمع على الانتظام في دولة. وبهذا يكون المجتمع المدني ـ حسب صياغته الأولى ـ هو كل تجمع بشري خرج من حالة الطبيعة (الفطرية) إلى الحالة المدنية، التي تتمثل بوجود هيئة سياسية قائمة على اتفاق تعاقدي. وهذا ما تم في المملكة منذ قيامها 1932. إذن، فقد وجدت الأندية الأدبية أمامها منذ 1975 مجتمعاً مدنياً أولياً، ولكنه كان بحاجة إلى تطوير وارتقاء في نواح مختلفة. ولو كانت صلاحية ومسؤوليات ونشاطات هذه الأندية، تتعدى الأدب بنثره وشعره، لاستطاعت أن تمد يدها إلى المجتمع المدني، سيما وأنها تنتشر في معظم مدن المملكة الكبيرة (16 نادياً في 16 مدينة) وتكون بذلك شبكة تنوير وتطوير كبيرة للمجتمع المدني السعودي.
5- وبما أن القائمين على هذه الأندية في مختلف تكويناتها الإدارية من كبار المثقفين في المملكة، ومن الكوادر العلمية، والأدبية، والثقافية، والإعلامية، فقد كان من اليسير على هذه الكوادر أن تلعب دورها التنموي الفعال في تطوير وتنوير المجتمع المدني بصورة أكبر، وبدور أعظم مما قامت به. ولما اقتصر دورها على إقامة الندوات وحلقات الدرس والنقد الأدبي فقط. وهو دور جليل وجميل، ولكنه دور محدود. سيما وأن تطوير المجتمع المدني لم يجد من يأخذ بيده من المثقفين العاملين داخل الأندية الأدبية. وقد سبق وأشار الأديب الإيطالي المعروف أنطونيو غرامشي، إلى أن "المقاربة الثقافية" تعني رؤية المجتمع بوصفه مجالاً عاماً، تتم فيه تسوية المصالح المختلفة، ومتابعتها، وحمايتها، من قبل المؤسسات الثقافية.
ولا شك أن الأندية الأدبية كانت على رأس هذه المؤسسات الثقافية في المملكة. ويؤكد فالح عبدالجبار في كتابه المذكور، أن "المقاربة الثقافية" في نظرة المدرسة الألمانية الحديثة، تركِّز على المجال العام Public Sphere، باعتباره الميدان الذي يصب فيه تدفق المعلومات الحر. وهذا الميدان هو الذي يوجّه خيارات الأفراد الحرة في المجتمع. إذن، فسيكون دور الأندية الأدبية على هذا الأساس ـ ومن خلال "المقاربة الثقافية" ـ كبيراً وفعالاً ومؤثراً، فيما لو اتسعت دائرة نشاطاتها، ومسؤولياتها.
6- إن مجموع الأندية الأدبية في المملكة، وبما تضم من نخب وعناصر ثقافية، وبما يتوجه إليها من عدد كبير من الحضور والمتلقين الشغوفين بحب المعرفة والثقافة، يعتبر أكبر تجمع وطني ثفافي، يتم فيه الحوار الوطني، من قبل أن تبدأ مؤتمرات الحوار الوطني عام 2003. ولكن حصر نشاطات هذه الأندية في الأدب والنقد وشؤونهما وشجونهما، قلّص من دور هذه الأندية، وأبعد عنها دور إدارة الحوار الوطني بالمفهوم الذي جاء عام 2003.
7- رغم أن الاقتصاد السعودي والسوق السعودي، يعتبران من أنشط مثيليهما في العالم العربي وخاصة في السنوات الأخيرة (حجم الصادرات والواردات إضافة إلى حجم التبادل في السوق المالي، وعدد البنوك الوطنية والأجنبية- السعودية المشتركة.. الخ. وتصنيف المملكة ضمن العشرين الكبار في العالم) إلا أن الأندية الأدبية على اختلافها لم تلتفت إلى اقتصاد السوق السعودية، نتيجة حصر نشاطها في الأدب فقط. وفات على الأندية الأدبية نشر أفكار الاعتدال الاقتصادي، وتخفيف صعوبات الانتقال إلى اقتصاد السوق انتقالاً تاماً وكاملاً.
8- شهدت المملكة في السنوات الخمس الأخيرة خاصة، طفرة إعلامية كبيرة تمثلت أكثر ما تمثلت في توسيع هامش الحرية الصحفية، وإتاحة الفرصة أمام الكتاب والمعلقين بتناول موضوعات كانت من المسكوت عنها في السابق. كما أن ثورة المعلومات وانتشار الإنترنت، كان له الأثر البعيد في هذه الطفرة الإعلامية، وولادة الرأي العام. ورغم هذا فقد ظلت الأندية الأدبية بعيدة عن المشاركة، ورصد، ودراسة، وتحليل هذه الطفرة. ولم نسمع دبيب خطوات هذه الأندية إلا في معارض الكتاب السنوية في الرياض وجدة. وكان دبيباً خجولاً ومتردداً. ولعل حصر نشاط الأندية في الجانب الأدبي المحض، كان سبب هذا الدبيب الخجول، الذي اختفى في مهرجانات الجنادرية الثقافية. ولم يتم استغلال تواجد هذا الكم الكبير من مثقفي العالم العربي في هذه المهرجانات الاستغلال الإيجابي الكافي من قبل الأندية الأدبية.
فهل حان الوقت الآن، لكي نلتفت إلى الأندية، ونوسّع من دائرة نشاطها، ونطلق عليها "الأندية الثقافية"، لكي تقوم بواجبها الأوسع والأكبر المنتظر منها تجاه المجتمع، سيما وأنها التكوين الوحيد في المملكة، الذي يضم هذا العدد من النخب والعناصر الثقافية؟