في بيان الألف سعودية: طالبات في المرحلة المتوسطة، وطالبات في المرحلة الثانوية من ضمن الموقعات. أيضا البيان يكاد يقتصر على منطقة دون غيرها. وعلى ما يبدو أنه قد حظي بورشة إعداد نشيطة للغاية. لم يهتم البيان إلا على أن يحصل على العدد (1000 موقعة) لكي يتخذ من رمزية الرقم عنوانا على الكثرة والإجماع، ولم يضم البيان أية أسماء نوعية ممن هن ناشطات في مثل هذه البيانات. اسم البيان وعنوانه يتضمن نوعا من إعلان الوجود ويشي بشيء من الهجوم، فهو قادم على شكل دفاع وتصدٍ ومواجهة وليس على شكل رأي.
إن جملة (طفح الكيل يا دعاة الضلالة) مدخل إلى معركة وليس إلى رأي، وحين (يطفح الكيل) وينتهي الصبر تتحول المواجهة إلى خيار حتمي واضطراري، تلك المواجهة الناجمة عن انتهاء الصبر وطفحان الكيل تشير إلى خصومة واقعة ومتحققة، فثمة هجوم تم التحلي بالصبر في التعامل معه لكن الصبر قد نفد، مما استوجب القيام لدفعه ومواجهته. أما الجزء الثاني من العنوان فهو يوضح لمن وجهت جملة: لقد طفح الكيل، وقد أسماهم البيان: دعاة الضلال. هذا التوصيف يتضمن ادعاء للصلاح، فمن الذي يطفح كيله من دعاة الضلال؟ هم دعاة الصلاح. وبالتالي ففي العنوان حماس مفرط للغاية وإعلان للمواجهة. إذن نحن أمام واقع على الأرض خشي أهل الصلاح من الأخوات موقعات البيان أن يصل إليهن فلم يستطعن الصبر فطفح كيلهن فخرجن بهذا البيان.
هذا الحماس يمكن تفهمه للغاية. إنه محاولة لإحداث أكبر قدر من الضجيج بعد صدور البيان، خاصة أنه لا يضم أسماء نوعية أو معروفة. ويشير البيان بداية إلى أن الموقعات عليه (غاظهن كثيرا ما يشاهدن ويسمعن مما تستهدف به المرأة المسلمة في بلادنا الطاهرة من مشاريع التغريب).. والهدف من كل تلك المشاريع بحسب البيان (إخراج المرأة السعودية من عفتها وحشمتها التي عرفت بها عبر العصور). في الواقع أنني ممن أشعر بكثير من الفخر لما عرفته به المرأة السعودية من سمت ثقافي واجتماعي، لكن الخوف عليه ليس مبررا إلا إذا كان ذلك السمت قشريا وظاهريا وقابلا للإزالة. ومنذ أن تحولت قضايا المرأة الاجتماعية إلى مادة للعراك بين التيارات كانت تستوقفني عبارات مثل: إخراج المرأة من بيتها، إخراج المرأة من حشمتها، تجريد المرأة من أخلاقها، الدفع بالمرأة للاختلاط بالرجال. فمن الواضح أن هذه العبارات إنما يصح أن تطلق على من لا حول له ولا قوة، فهو جاهز لأن يُدفع به وأن يُخرج وأن يُجرد. وفي هذا إيذاء للمجتمع على مستوى اعتزازه بأخلاقه. فكأن هذه العبارات تتحدث عن قطعان تُساق وتُوجه لمن أراد ذلك. من الواضح أن البيان يحمل هجوما غير منطقي، وفيه كثير من الإعلان المبطن للخوف، الذي تكشفه تلك الجمل الحادة. ويكفي أن نقرأ من البيان: (نطالب بإيقاف كل من ثبت أو يَثبُت دعوته أو إقراره للاختلاط أو يعمل على إفساد المرأة – بقول أو فعل – وإيداعهم السجون وتطبيق الحدود والتعازير الشرعية بحقهم وإحالتهم للمحاكم الشرعية وترحيل المقيمين الذين لم تطِب نفوسُهم بالالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية التي قامت عليها هذه البلاد).. ألف موقعة على البيان، إنما لا يجب أن يأخذنا العدد، بل لا بد من التوقف عند التالي:
في البيان: 33 طالبة في المرحلة المتوسطة، 125 طالبة في المرحلة الثانوية، 82 طالبة دون تحديد المرحلة، 108 ربات منازل 122 طالبة جامعية.. هل يتخيل أحدكم أن طالبات المرحلة المتوسطة يحملن هذا القلق وهذا الخوف وهذه المواجهة وينادين بسجن من يدعو للاختلاط وإقالة كل مسؤول يثبت أن ثمة اختلاطا في وزارته؟
يبدو – ظنا – أن هذا البيان قد تحول إلى حصة نشاط طلابي، فبينما يضم هذا العدد من الطالبات يضم كذلك أربعين معلمة، وبالتأكيد أن الطالبات لم يوقعن البيان في بيوتهن، مما يشير إلى أن استغلالا سلبيا قد حدث لبعض المدارس ولبعض الطالبات، لتتحول أسماؤهن من لوحة النشاط والدراسة إلى قوائم البيانات. أدرك أن وزارة التربية والتعليم ترفض أن يتم استغلال طالباتها بهذا الشكل، وأخشى حين يتم التحقق من الأسماء أن ينكشف رابط ما بينها. بل لا أستبعد وجود نوع من الإغراء أو التحايل أو الابتزاز للطالبات.. إنها محاولة لزرع التوجهات الحركية مبكرا بين صفوف الطالبات. ولو اقتصر البيان على مثقفات أو كاتبات أو أكاديميات لكان مقبولا ولو على المستوى النظري.