في بدايات هذا العام، أطلقت وزارة العمل برنامج "حافز". وهدفه، كما يدل الاسم، تحفيز العاطلين للبحث عن عمل وتشجيع أصحاب الأعمال على توظيفهم، وهو البرنامج الأول من نوعه في تاريخ المملكة العربية السعودية، ويمثل توجها جديدا لحل مشكلة البطالة دون الاعتماد التام على آليات السوق.

يوفر البرنامج للباحثين عن عمل مبلغ ألفي ريال بشروط عديدة. وحسب بعض التقارير تقدم ملايين من المواطنين والمواطنات للتسجيل فيه، وقُبل منهم نحو المليون.

وأخذاً بالاعتبار هذا البرنامج أول برنامج يتم فيه تقديم مساعدات مالية للباحثين عن عمل، فإن تنفيذه لم يواجه سوى عقبات يسيرة نسبيا. وقد وضعت وزارة العمل شروطا يراها البعض قاسية للتأهل للبرنامج، ولم تقبل الكثير ممن تقدموا للتسجيل فيه، مما أدى إلى شكاوى حول عدالة تلك الشروط والطريقة التي تم فيها تطبيقها، ومن السهل معرفة أسباب الشكاوى، لأن ثمة ملايين من المواطنين والمواطنات لا يعملون، ويُحسبون في الإحصاءات الرسمية "خارج قوة العمل"، وإن كانوا لمن يظهروا في السابق في إحصائيات البطالة.

ومع تزايد أعداد المتقدمين والمقبولين في البرنامج، فإن ما ليس واضحاً هو عدد المتخرجين منه، مع أن نجاح البرنامج هو في أعداد الخريجين، لأن هدفه في حقيقة الأمر هو أن يسهل على الباحثين عن عمل الدخول إلى معترك سوق العمل، لا أن يسهل لهم البقاء خارجه، ولذلك فلكي ينجح البرنامج يجب أن ينخفض عدد المسجلين تدريجيا بحصولهم على وظائف مجزية.

ويواجه المقبولون في البرنامج عدة شروط للاستمرار فيه، وهو أمر مطلوب. وقد أجملت وزارة العمل الأسبوع الماضي خمس حالات يمكن أن تؤدي إلى إنهاء العضوية، وهي: أن لا يحضر أو يشارك الباحث عن عمل في البرامج التدريبية التي يوجه إليها، أو لا يذهب إلى المقابلات المحددة مع أصحاب العمل، أو يرفض عروض عمل مناسبة، أو يتخلف عن تصفح ملفه على موقع البرنامج على الشبكة. وأخيراً، تنتهي عضوية الباحث عن عمل في البرامج حين يبلغ (35) عاما من العمر. وسيتم تطبيق هذه الشروط اعتبارا من أول رجب 1433 (21 مايو 2012). وبالإضافة إلى هذه الشروط فإن المفروض ألا تستمر العضوية لأكثر من عام كحد أقصى، على جميع الأحوال.

ويقوم البرنامج على فرضية أن بعض المسجلين حاليا فيه، إن لم يكن كلهم، سيستغنون عنه، عاجلا أو آجلا، بحصولهم على وظائف. ولكني أشك أن أعدادا كبيرة منهم ستترك البرنامج طوعا، لأن توظيف المواطنين، مهما كانت مؤهلاتهم، صعب ومحفوف بالعقبات المعروفة، خاصة النساء، اللاتي يشكلن أغلبية المسجلين في البرنامج. وبسبب تلك العقبات، فإن أعداد الباحثين عن عمل في تزايد مستمر. ففي الأسبوع الماضي، أشار مسؤول في وزارة العمل إلى تسلمها طلبات من نحو (1.6) مليون باحثات عن عمل، بما في ذلك نحو

(400 ألف) خريجة جامعية، كثير منهن يحملن دبلومات وشهادات عليا. وإذا أضفنا إلى هذا أعداد الشباب الباحثين عن عمل، فإننا نتحدث عن مليونين، أو أكثر، من الباحثين عن عمل.

ومن الناحية الإيجابية، فإن هذا الإقبال علامة نجاح للبرنامج لأنه "حفّز" كل هذه الأعداد للبحث الجاد عن عمل، وأنهى يأسهم وقنوطهم، ولعل ذلك يُفضي إلى توظيفهم في نهاية المطاف.

وفي الوقت نفسه، فإن المحصلة هي أن أعداد من يتأهلون لبرنامج حافز سيزداد بالضرورة كل عام، مقارنة بأعداد من يتخرجون منه.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن تكلفة البرنامج ستستمر في الارتفاع، وهي الآن تقدر بعشرات المليارات من الريالات.

ولذلك يمكن القول لذلك إن البرنامج سيقع ضحية لنجاحاته الأولية. إذ رفع سقف توقعات مئات الآلاف من المواطنين والمواطنات المحبطين سابقاً، مما أدى إلى رفع أعداد الباحثين بجد عن العمل، لأنهم أصبحوا أكثر تفاؤلاً بالحصول على وظائف. ويُضيف المبلغ الشهري الذي يوفره البرنامج حافزاً إضافياً للبحث الجاد عن عمل، ووفقاً للتعليمات الجديدة فإنه ما لم يُثبت أنه يبحث جدياً عن العمل فإنه قد يفقد المكافأة.

ولكن لكي ينجح برنامج حافز في أداء مهمته، وفي الوقت نفسه يتجنب الأزمة المتوقعة في تمويله فيما لو استمر عدد المسجلين فيه بالارتفاع إلى ما لا نهاية، فإن الوزارة يجب أن تحقق نجاحاً أكثر في توفير وظائف مناسبة لهم.

ويجب أن نتفادى أن يتحول برنامج حافز إلى برنامج للضمان الاجتماعي، فهدفه يجب أن يظل مساعدة العاطلين على الحصول على عمل، في أسرع وقت ممكن، لا أن يصبح وسيلة لإطالة أمد بطالتهم.

وغني عن القول أن كل يوم يمر دون عمل مجز لأي مواطن يمثل هدراً اقتصادياً يجب تفاديه. لا أتحدث هنا عن التكلفة المالية للبرنامج، وهي تكلفة عالية ويمكن لو نجح البرنامج استخدام تلك الموارد في برامج تنموية أخرى أكثر جدوى. ولكن الهدر الحقيقي يتمثل في تعطُّل طاقات الشباب العاطلين عن عمل. ومن المؤكد أن توظيف هؤلاء الشباب والشابات لا يمكن أن يكون عقبة مستحيلة الحل، بل من الممكن تجاوزها بشيء من الجهد، فالمملكة العربية السعودية تتمتع منذ سنوات بنمو اقتصادي غير مسبوق في تاريخها، وفي كل عام هناك مئات الآلاف من الوظائف الجديدة التي يفرزها اقتصادها، ولكن أغلبيتها تذهب للأجانب، وللمواطنين حافز.