ذهب صاحبنا يومًا لرحلة عمل خارج منطقته، ووصل إلى مكاتب التأجير في المطار، ووجدها مرتفعة الأسعار، فقرر هجرها والذهاب إلى المكاتب داخل المدينة، لعل لهيب الأسعار يهدأ، وبالفعل هدأ بل وكاد أن ينطفئ، فوجد نفس المركبة والطراز بل وحتى نفس النظافة الداخلية التي كانت في المطار ولكنها بسعر أقل بحوالي 40%، وكاد صاحبنا أن يطير فرحًا لأنه لن يدفع سوى 600 ريال بدلًا من دفعه لـ 1000 ريال مثلا. وحاول التحقق من سبب انخفاض هذا السعر بفرق شاسع، فبسؤاله عن تأمين المركبة كانت إجابة مكاتب التأجير (تأمين شامل مع نسبة تحمل 3500 ريال في حال كان المستأجر مخطئًا، وبدون أية مبالغ في حال كان الخطأ على الطرف الآخر)، المهم رغم أن صاحبنا لم يفهم ماذا يعني تأمين شامل مع نسبة تحمل 3500 «فأين كلمة شامل إذا»، فإنه قرر أن يوقع أوراق عقد استلام المركبة، وبعد توقيع الورقة الأولى، أعطاه الموظف ورقة أخرى قائلًا (باقي توقيعك هنا)، ومع بدايته للتوقيع استفسر (وهذي أيش بعد)، فأجابه الموظف (سند لأمر زي ما هو مكتوب قدامك في أعلى الورقة).

صاحبنا توقف بل عروقه التي توقفت عن ضخ الدم من هول ما سمع ورأى، فقد تفاجأ أنه كان بعد ثانيتين فقط من تلك اللحظة سيمسك بحبلا ويلفه حول رقبته، لأن هذا المكتب وغيره العشرات، يضعون بين أوراق عقود الاستلام، ورقة مالية فارغة من البيانات إلا توقيع العميل، وهذا يعني أن كل عميل قد «تدبس» في مثل هذا التدليس، قد وقّع سندًا ماليًّا واجب التنفيذ فور كتابة تاريخ الاستحقاق، وبعدها بيوم، يستطيع صاحب هذا المكتب أن يرفع قضية لمحكمة التنفيذ لتقوم خلال أقل من أسبوعين بإيقاف خدمات العميل بما فيها حساباته البنكية ورواتبه وغيرها، حتى يفي بكامل هذا المبلغ لصاحب مكتب التأجير.

والكارثي أن خانة المبلغ تترك فارغة، فيصبح هذا العميل تحت رحمة هذا «المدلّس» فإن كتب مليون أو ريال واحد فـ«هو حر»، فحاول صاحبنا أن يفهم لماذا هذه الورقة، فأجابه موظف المكتب، في حال لم تعد السيارة سليمة لأي سبب وليس هناك طرف آخر، نكتب قيمة السيارة كاملة في هذه الخانة التي تركها العميل فارغة، ونلزمه بدفعها عن طريق المحكمة، فكان السؤال البديهي، وما هي الحالات التي لا يكون فيها طرف آخر، فأجاب الموظف (مثلا: لو صدمت رصيف أو عمود أو كانت السيارة متوقفة وتم صدمها ولم يعرف الطرف الآخر، أو احترقت أو أي نوع من الحوادث التي لا يكون بها طرف آخر يحمل تأمينا ساري المفعول).


السؤال هنا للجهات المسؤولة عن مكاتب التأجير، أليس من المفترض أن تكون الورقة المالية (سندًا لأمر مثلا) لها ما يعرف بالشروط الموضوعية ومنها الرضا وهو أن يكون المحرر راضيًا بما حرر له هذا السند، ولوجود هذا الرضا يجب أن يكون خاليًا من الغلط والإكراه والتدليس وإلا كان التزامه هذا باطلًا، وأليس قبول السند لأمر مع ترك خانة المبلغ فارغة تعمدًا يعتبر مدخلًا للتزوير والتلاعب، وأليس من الشروط أيضًا (المحل والسبب)، وهي باختصار لماذا هذا المبلغ في السند ومقابل ماذا، فهل العميل يعرف لماذا ومقابل ماذا، فيا وزارة النقل أو يا من تنظمون هذا النشاط، فحتى لا تتركوا الناس ضحية لهؤلاء، فعليكم بإرسال متسوق خفي لتلك المكاتب وما هي إلا دقائق منذ وصوله حتى يعود لكم بتقرير مختصر عنوانه بجاحة (التدليس والتزوير في مكاتب التأجير).