لا تزال تهفو أرواحنا من وقت لآخر، للماضي وذكرياته الجميلة، التي تسكن أرواحنا والشوق الدائم لها، رغم ما يشوبها من ذكريات بائسة ومليئة بالشقاء، رغم هذا الشعور يبقى الشعور والإحساس الجميل، هو ما يطغى على هذه الذكريات.
«فالنوستالجيا» هي الحنين لهذا الماضي الذي يثير في أنفسنا خليطا من المشاعر، تجمع ما بين السعادة والألم، والشجون والحزن، سواء للأشخاص أو الأماكن من زمن قد مضى، فيعود شريط الذكريات مستعيداً هذه الفترة التي مضت، فنجد أنفسنا نشعر بالراحة والطمأنينة، عندما نسترجع هذه الذكريات واللحظات الجميلة.
فالإنسان بطبيعته يحمل معه ذكرياته أينما ارتحل وحل ونزل، فالعامل النوستالجي هو المحرك لتلك العواطف اليائسة والبائسة، الهاربة من ضجيج الحاضر، فتبقى الذكريات صامدة رغم هذا التيه في عالم يسوده الضغط النفسي، فتغدو الذكريات كنبع شفاء بداخلنا، تندفع من كل زوايا الروح أثيرها.
يمكن أن نعتبر «النوستالجيا» هي حالة صحية و نافعة، تمد أرواحنا بالسعادة والصفاء الذهني والروحي، باعتبارها حالة عاطفية نسترجع بها مشاعر عابرة، ولحظات سعيدة من مخزون الذاكرة وطرد جميع اللحظات السلبية.
يجب التعامل مع هذه الحالة بصورتها الجميلة، و فهمها بالشكل الصحيح، وألا نستسلم ونعيش في هذه الذكريات، ونتوقف طويلاً عند عثراتها، حتى لا تتحول إلى حالة مرضية، وتتحول إلى عثرة وحاجز للتقدم والنهوض بحاضرنا نحو مستقبلنا، وتعرضنا لخطر فقدان هويّة الكينونة الإنسانيّة، وضياعها وسط أحداث ترهق كياننا الإنساني، فيتعذّر علينا قبول الواقع ومعالجته.
كما أنّه يجعلنا لا نرى أيّة ملامح للمستقبل، يمكن أن تمنحنا بعضاً من الأمل. فتقف بنا عند حدود الواقع باستدعاء ماض، يعتمره الألم والحزن والوجع. فنجدها تجمع بين حالتين؛ حالة طبيعية وحالة مرضية، حالة حنين طبيعيّة وهي في صميم الذّات الإنسانيّة، لكنّها قد تتحوّل إلى حالة مرضيّة، حين تصبح معطّلة لطاقات الإنسان وغير محفّزة للاندفاع إلى الأمام، من خلال الوقوف عند الماضي.
فتعطل القدرة الإنسانيّة المحفّزة واستبعاد الأمل، والدّخول في دائرة العجز.
فننتقل من «النوستالجيا» كحالة طبيعيّة يمتاز بها الإنسان إلى حالة وقوف لا نستطيع أن نتقدم بها.