بعد أقل من شهر على سقوط القذافي تصخب طرابلس بالحركة ويتوافد المتسوقون على الأسواق والبنوك مفتوحة، كما تتوفر المياه والكهرباء لمعظم الوقت بعد أن كانا قد قطعا، وفي الصحراء يتدفق بعض النفط. ولا يزال القتال مشتعلاً في أجزاء من ليبيا لكن الانتشار السريع لمظاهر عودة الحياة إلى طبيعتها مدهش. وقال مسؤول أمني "اعتقدنا أن الوضع سيكون أسوأ كثيراً من هذا عندما كنا نخطط لطرابلس". لكن بالنسبة للعاصمة التي يعيش بها ثلث سكان ليبيا البالغ عددهم ستة ملايين نسمة كان ذلك نوعاً جديداً ومتميزاً من الحياة الطبيعية.

وصاحبت العودة إلى الروتين اليومي بعد ستة أشهر من الاضطرابات علامات على دولة غير مألوفة لليبيين الذين تربوا في ظل 42 عاماً من حكم القذافي الشمولي. ولا يرجع هذا فحسب إلى الأسلحة والذخائر التي خلفتها قوات الزعيم المخلوع وراءها في أنحاء المدينة قبل فرارها أو إطلاق مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي الذين مازالوا يسيطرون على جزء من المدينة النيران احتفالاً من حين لآخر.

ومن الظواهر المستحدثة التي تخبر بالكثير منذ سقوط طرابلس حرية التعبير المصحوبة بجرعة من المشاحنات السياسية العلنية المبكرة التي تسبب انزعاجاً للبعض. وتعبر بعض الشخصيات داخل المعسكر المناهض للقذافي عن خلافاتها جهراً في ظل تنافسها على السلطة قبل ترشيح حكومة انتقالية جديدة وهي خطوة متوقعة بعد نحو أسبوع من الآن.

وبالنسبة لليبيين الذين منعهم القذافي من تشكيل أحزاب سياسية أو إجراء انتخابات فإن قدراً من الانفتاح السياسي محل ترحيب.. فهذه علامات المخاض لأحدث ديمقراطية في العالم أكثر من كونها نذيراً بصراع على غنائم الثورة. وعلى مدى معظم الأشهر الستة الماضية تجادل الليبيون على القنوات الفضائية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت بشأن خصائص الدولة التي يتمنونها. والآن بعد أن سقطت طرابلس في أيدي معارضي القذافي فإن بعضاً من سكانها يرون حاجة إلى حماية الثورة من الأحاديث التي قد تثير خصومات شديدة.

ولا يستطيع تحالف القوى التي تجمعت لتشكل المجلس الانتقالي للإطاحة بالقذافي أن يتحمل الانقسامات الصريحة خاصة وأن الأسلحة لاتزال منتشرة بكثافة في معظم أنحاء المدينة، علاوة على الخصومات القبلية والإقليمية التي برزت، والمشاعر التي تجتاح المواطنين بعد سقوط عشرات الآلاف من القتلى.