من نحن السعوديين ؟ وما هي هويتنا؟ وما الشخصية التي نعكسها للخارج؟ للأسف لا تزال الدراسات حول الشخصية السعودية، محدودة للغاية في الدراسات الاجتماعية والإنسانية، رغم أهمية الموضوع وعلاقته الوثيقة في التحولات الهامة، التي تعرفها بلادنا اليوم.

قد يسأل البعض ما الذي أقصده بالشخصية السعودية؟ وما هو النموذج الذي كرسته تجربتنا؟ النموذج الذي نعيشه اليوم هو النموذج الذي كرسته تجربة الدولة الناجحة، في بناء مجتمع مندمح ومترابط، يقوم على وعي مشترك بالمواطنة وولاء كامل لهوية وطنية جامعة، تتجاوز كل أشكال الخصوصيات والاختلافات المناطقية والقبلية الطبقية.

من هذا المنظور يمكن القول، إن السعودية من أكثر البلاد في العالم انسجاما وترابطا، ومن أوثقها هوية.


بعض الباحثين يخطئ أشد الخطأ عندما يستند إلى المعطيات التاريخية الظرفية، ليقول إن الوحدة الوطنية في السعودية جديدة، بالاستناد إلى مسار توحد البلاد الذي اكتمل في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، بعد ضم منطقة الحجاز وجنوب المملكة إلى الوطن الأم.

الباحثون المتأثرون بالأيديولوجيات الدينية، يرون أن الشرعية الوحيدة التي تقوم عليها الدولة، هي مشروع الدعوة الذي كرسه تحالف الدرعية الشهير بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب،دون أي اعتبار للحقائق الموضوعية، التي خلقتها الدولة الحديثة التي لم تكن مجرد إمامة دينية أو دعوية، بل هي دولة وطنية مكتملة المقومات والخصائص. ما لا يدركه كل هؤلاء هو أن الدولة الوطنية الحديثة، هي التي صاغت الهويات الجماعية للأمم في العصور الحاضرة، حتى في الدول التي تسمي دولا قومية عريقة.

عالم الاجتماع الفرنسي إمانويل كتب كتابا هاما حول هوية فرنسا، بين فيه أن وحدة الأمة الفرنسية تشكلت من خلال مشروع الدولة، عبر هياكلها المؤسسية وسياساتها التضامنية، وشبكة المصالح التي أوجدتها لصالح المجتمع. وإذا كانت القومية الألمانية في جوانبها الثقافية والأيديولوجية سبقت نشأة الدولة، إلا أن بناء الأمة بالمفهوم السياسي لم يتحقق إلا مع الدولة الوطنية التي استكملت إنجازها التاريخي، بتوحد غرب البلاد وشرقها سنة 1989.

بريطانيا العظمى توحدت على أساس الدولة الملكية الراعية للإصلاح الديني، والولايات المتحدة الدولة التي بنت أمة وطنية صلبة من أشتات من المهاجرين على أساس «الديانة المدنية المشتركة» التي حللها القسيس دي تكوفيل في كتابه الشهير حول الديمقراطية الأمريكية.

واليوم ترتفع الأصوات حول موضوع الهوية في العالم كله، كما يبين المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه: الهوية: طلب الاعتراف

Identity. The Demand for Dignity

يظهر جليا أن الهوية الحقيقية، هي التي لا تكتفي بمعايير المواطنة القانونية، وإنما تحقق مطلب الاشتراك والترابط في الشعور الجمعي.

لم تعد الهوية مجرد ولاء شكلي للدولة، بل حالة اندماج وطني حقيقية، ولم تعد الرابطة الإسلامية العامة أساس اللحمة الاجتماعية، بل إن السعوديين بمختلف مكوناتهم وانتماءاتهم وأصولهم، يشعرون اليوم بأنهم شركاء في مجتمع واحد. يظهر هذا الشعور خلال لحظات الفرح ولحظات الألم، ويبدو في وقوف الشعب السعودي مع قيادته، في مواجهة المخاطر والأطماع الخارجية، ومثيري الفتن في الداخل.

يقول الأديب والروائي أمين معلوف إن الهوية إنما تصنع وتنمو عبر التاريخ والزمن ولا تورث جاهزة، وحسب الدولة السعودية أنها صنعت لنا هذه الهوية الصلبة، التي هي أساس شخصيتنا الوطنية الصلبة والمستقرة.