أول من أمس، فرغت من قراءة نصف صفحة في الزميلة (الشرق ) وكلها تدور حول سؤال شرعي وحيد: ما حكم خداع حكام كرة القدم بالتمثيل في منطقة الجزاء للحصول على ضربة جزائية؟ وبعيداً عن هذا السؤال بالتحديد سأذهب إلى هواجسي، تلك التي من أجلها أكتب اليوم: إحساسي أننا نعيش عصراً يبالغ في الأسئلة. إحساسي أننا في زمن بدأت فيه الأسئلة تلج إلى تفاصيل ودهاليز تفوق الخيال والوصف. إحساسي أن في مجتمعنا من يكتب لغة أسئلة التفاصيل الثانوية بمكر وخبث كي يوقع العالم الفقيه في ورطة الردود أو يجعل من الدين، للأسف الشديد، حائطاً قصيراً للتندر بمثل هذه الأسئلة والأجوبة. وخذ بالمثال آخر طوام هذه الأسئلة، ومن فم برنامج تلفزيوني وفيه يسأل السائل: ما هو حكم مباشرة الزوج لزوجته المتوفية؟ فيجيبه المسؤول مباشرة بأقوال الاختلاف في المسألة ولكنه يرى بجوازها في حدود الساعات الست الأولى من لحظة الوفاة. وأستغفر الله، أن ألج بالخوض في محددات التشريع لذات المسألة، ولكن سؤالي: ألم يبق من قصص الحياة إلا هذا السؤال المقزز المتشوه؟

خذ أيضاً من الخيال طوفان هذه الأسئلة التي تضمر تشويه معالم هذا الدين بإدخاله إلى تفاصيل مستقصدة: ما حكم البوفيه المفتوح بسعر محدد إن كان يبيعك كل ما لا ستشتريه؟ كيف أصلي وأنا في رحلة غوص لا تستقيم معها حركات الجسم في أركان وواجبات الصلاة؟ كيف ترضع الموظفة زميلها في المكتب ليكتسب صفة الابن؟.. هذا الدين العظيم هو من يختصر كل هذه الصغائر من التفاصيل والأسئلة الهامشية في ثلاث كلمات: الإثم ما حاك في صدرك. وأجزم حتى أكاد أقسم أن فطرة الإنسان وحدها تعرف ما هو الإثم. إنه تلك الأسئلة التي لا ينتظر معها المرء الأجوبة. طوفان الأسئلة في حكم التمثيل لضربة الجزاء سيفضي إلى هراء الخبث على هامش السؤال: ما هو القياس إذاً في هذه الحالة إن كان التمثيل والخداع خارج المنطقة الجزائية؟

ما الحكم الشرعي للاعب يعيق خصمه بضربة أو خطأ احترافي لإعاقته؟ ما هو حكم التمثيل بادعاء الإصابة لإضاعة وقت المباراة؟ ما حكم – المتسلل – إن سجل هدفاً ولم يرصد الحكم حالة التسلل؟ ما حكم فرحة اللاعب بالهدف إن كانت العملية برمتها تقليدا لنصارى الملاعب الأوروبية؟ وغداً، ومن المؤكد، أن كل هذه الأسئلة ستكون بين السائل والمجيب حتى نصل إلى السؤال الأهم الذي سيشعل في العام القادم أهم قصة رياضية شرعية: ما الحكم في اختيار حكام لمباريات كرة القدم يفتقدون للخلفية الفقهية والشرعية المطلوبة؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.