"جود الله" صبي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، يكدح لساعات طوال لحمل الفواكه والخضار، تارة على كاهله، وتارة من خلال العربة، إلى سيارات زبائن سوق الخضار والفواكه، بوسط محافظة خميس مشيط.
الجهد المضني الذي يبذله يتيم الأب "جود الله" لايتناسب مع بنية جسمه النحيل، إلا أنه آثر ذلك العمل، لسد رمق إخوته ووالدته. واعتبارا من اليوم سيكون خارج دائرة السوق، وخارج إطار تلك المهنة الشاقة، بعد صدور قرار باغلاقه وإخلائه، تمهيدا لهدمه، وبالتالي يواجه الصبي مصيرا مجهولا.
ومع غياب البديل لوجهة "جود الله " الجديدة التي يكتنفها الغموض، فإنه لايعدو كونه انموذجا لأكثر من 50 شابا سعوديا يعملون في أكثر من 95 متجرا للخضار والفواكه في وسط خميس مشيط، ويواجهون مصيرا مجهولا إثر صدور تعليمات تقضي بضرورة إخلاء السوق، سبقها فصل التيار الكهربائي.
"الوطن" رصدت ميدانيا أوضاع بائعي الخضار السعوديين أمس، ولوحظ تشبث بعضهم بمواقعهم حتى آخر لحظة، طمعا في كسب ما يمكن، عطفا على ظروفهم الأسرية القاسية، وكون بيع الفاكهة مصدردخلهم الوحيد، فيما استجاب بعضهم على مضض وأخلى متجره.
فصل الكهرباء
محمد أحمد الدرهمي" شاب سعودي من جازان " أكد أنه استأجر من الجمعية الخيرية لعدة سنوات، على اعتبارها مستأجرة السوق من بلدية خميس مشيط، إلا أنه فؤجئ بقرار يقضي بضرورة إخلاء المتاجر قبل حلول اليوم "الأربعاء" فضلا عن فصل التيار الكهربائي، مما تسبب في إحداث خسائر كبيرة لهم، وتلف منتجاتهم، وناشد الدرهمي الجهات المعنية في المحافظة والمنطقة ضرورة إعادة النظر في هذا القرارالمجحف -على حد تعبيره-.
لم يوفروا بديلا
وفي زاوية أخرى من السوق، يؤكد البائع محمد أحمد عبده صرخي، أن بلدية محافظة خميس مشيط ألزمتهم بالخروج من السوق، ولم توفر البديل، وقال، نحن لا نعترض على تطوير السوق، وتجديده بأفضل منه، إلا أن مصيرنا ظل مجهولا في ظل عدم قيام البلدية بتوفير البديل لنا، وأضاف حاولت أنا ومجموعة من زملائي في السوق البحث عن موقع آخر في أرجاء المحافظة لنتخذه موقعا لعرض بضائعنا إلا أنه تعذر علينا ذلك.
مصدر دخلنا
ويرى علا الله علي حسن " بائع خضار " أن المسؤولين عن قرار الإخلاء تجاهلوا أن بيع الخضار والفواكه هو المصدر الوحيد لدخلنا، ومن خلاله نعيل أسرا، وكان الأجدر بهم ايجاد سوق بديل، وعدم التقليل من شأن مصير عشرات الباعة، فضلا عن كون محافظة خميس مشيط المدينة التجارية الأولى والأكثر سكانا على مستوى منطقة عسير، واصفا القرار بالتعسفي ويفتقرإلى ايجاد البدائل.
أما الشاب علي عبده هادي "بائع فواكه " فأشار إلى أن المشكلة لم تقتصرعلى باعة الخضار والفواكه فحسب بل امتدت إلى باعة اللحوم والدواجن، والمكسرات والسمن البلدي، والعسل الذين يواجهون ذات المصير، في حين أكد أن بعضا من ضعاف النفوس رفع إيجار محلات جديدة قريبة من السوق المزمع إزالته، كان بعض الباعة يرغبون تأجيرها.
وأضاف هادي: أن أسواق الخضار والفواكه في محافظة خميس مشيط قليلة جدا، مقارنة بعدد السكان، ونشاط المحافظة التجاري، في حين أن الأسواق الحالية لاتفي بالغرض، ويتعذر على المواطنين والمقيمين، التنقل لمسافات طويلة من جنوب المدينة إلى شمالها، لجلب الفواكه والخضار، منتقدا عدم تأمين البلدية لسوق بديل إضافة إلى كون قرار إزالة السوق وتسريح العاملين به يتعارض مع قرارات سعودة أسواق الخضار، وينم عن عدم دراسة القرار بشكل جيد.
واعتبر سالم الحريصي "بائع فواكه" أن إغلاق السوق يسبب صعوبة في الحصول على الخضار والفواكه، لاسيما المواطنين والمقيمين الذين يسكنون وسط المدينة، لأنه يتعين عليهم بعد إغلاق السوق، قطع مسافات وسط الازدحام لتأمين طلباتهم.
المجلس البلدي لايعلم بالتطوير
من جهته، أشار رئيس المجلس البلدي في محافظة خميس مشيط سعيد بن عبدالله البريدي في تصريح إلى " الوطن " أمس أن مشروع إزالة السوق لم يعرض على أعضاء المجلس، إلا أنه أكد على ضرورة توفير البديل المناسب له، وعدم الإضرار بمصالح الباعة، وتشجيع الشباب السعودي على الانخراط في مثل تلك المهن، لتأمين مصدر رزقهم خصوصا أن أغلبهم يعول أسرا.
تطوير السوق
إلى ذلك، أوضح رئيس بلدية محافظة خميس مشيط الدكتورعبدالله بن عبدالرحمن الزهراني لـ " الوطن " أمس أن البلدية عملت على تأجير السوق للجمعية الخيرية منذ سنوات، بموجب عقد رسمي، وتم تمديده لعامين، ولم ترتبط البلدية بأية عقود مباشرة مع الباعة وبالتالي لاعلاقة لها بهم.
ولفت الزهراني إلى أن قرار إزالة السوق يأتي في إطار مشروع تطوير منطقة وسط البلد، وسار وفق قنوات نظامية وتم إقراره من الجهات المعنية في المنطقة، والهدف منه بالدرجة الأولى المصلحة العامة والتطوير.
وأضاف الزهراني: أنه بإمكان باعة الخضار والفواكه التقدم للبلدية بطلب بسطات في سوق الخضار الواقع شمال المحافظة. وكان جدل قد شهدته جلسة المجلس المحلي في المحافظة التي عقدت قبل أشهر برئاسة المحافظ سعيد بن عبد العزيز بن مشيط، ما بين مؤيد ومعارض لمشروع تطوير وسط المدينة.