لا أعلم أين سيؤدي بي هذا العنوان الذي يعبر عن مكنون داخلي في نفسي، بدأ بالتعاظم خلال السنوات القليلة الماضية شيئاً فشيئاً، نظير أمرين، الأول، الالتفات لشأن بلادي الداخلي والمشاركة في التنمية والتعمير؛ والثاني حالة النكران المقبلة من الطرف الآخر مقابل كل ما يقدم لتلك القضية على الصعيد الحكومي والشعبي. لذا قررت أن أتحمل سهام النقد المهني والشخصي، نظير رغبتي كسر الشكل النمطي الإنساني والأدبي، المستند على أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى للعرب؛ لكنها ليست قضيتي.

وسأستوعب أيضا، حتى لو حجب هذا المقال عن الصدور. لا مشكلة لدي في ذلك. وما إذا تم نشره، سأسهب بشرح الأسباب والدوافع التي أدت بي للخروج عن الصمت والصف، لقول ما يمكن أن يقال في هذه السطور مع تحملي مسؤوليته الكاملة.

أتابع ذات ليلة إحدى المحطات الإخبارية كعادتي. وقع الاختيار على الاستماع لكلمة سيُدلي بها زعيم حركة حماس "الإرهابية" إسماعيل هنية من أحد جحوره في قطاع غزة المُحتل من قبل الحركة وليس إسرائيل. كان ظهوره المتلفز، بعد القصف الذي تعرضت له غزة، وحالات الاشتباك في مدن أخرى كالقطاع وغيره. وبانتظار خروج فضيلة الشيخ و"حديثه المسموم"، تبادر إلى ذهني سؤال. وهو هل يمكن اعتبار القصف الصاروخي الموجه من قطاع غزة، الذي اتخذت حماس قرار دخوله مع إسرائيل فرديا، دون الرجوع للسلطة في رام الله؛ وذلك يعتبر في السياسة "قرار حرب"، ويعود لرجل واحد، وهو الرئيس الذي يجتمع الكل تحت إمرته؛ مشروع من باب الدفاع عن النفس؟ وفي مقابل ذلك هل يمكننا احتساب رد الفعل الإسرائيلي من ذات الباب– أي من باب الدفاع عن النفس– بعيداً عن موازين القوى؟ لم أجد الإجابة حتى الآن،وربما عثرت عليها لكني أحتفظ بها لنفسي؛ وظاهريا لا أعلم، ولا أميل لهذا أو ذاك ولا أبرر الحرب لأي من الأطراف!


المهم أعود للكلمة، إذ يقول هنية "على الدول التي طبعت حديثا مع إسرائيل أن تعيد النظر في هذه الخطوة". وفي حديثه تحميل لمسؤولية رد الفعل الإسرائيلي لدولتين في منطقة الخليج طبعتا مع تل أبيب، هما الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين؛ إضافة إلى السودان. بالمناسبة السودان ليست بحسابات السياسيين الفلسطينيين، ويؤكد ذلك حجم رد الفعل الفلسطيني بعد تطبيع الخرطوم مع تل أبيب الباهتة على المستوى السياسي والإعلامي والشعبي، مقابل كمية من النواح والصياح وحملات التخوين، بعد إقدام أبوظبي والمنامة على ذات الخطوة.

هذا يعني أن الطبقة السياسية وحتى الشعبية الفلسطينية وكأنما تعيش حالة من التعالي المؤدي لمصادرة القرار على منطقة الخليج.،وذلك ما ترجمه محمود عباس حين اندفع للقول "علمناهم ودرسناهم وتنكروا لنا".

الحديث السابق في كفة، وتمجيد الجمهورية الإيرانية في كفة أخرى. إذ تقدم هنية بالشكر العظيم لدول تتبنى خيار المقاومة، وخص بالذكر الجمهورية الإيرانية باستراتيجيتها التي أسسها "الإمام الخميني رحمه الله"، والتي أمدت على مدى السنين القضية ماليا وعسكريا وتقنيا. ولا أذكر أن طهرن أطلقت طلقة نحو إسرائيل، وحتى ربيبها جرذ الضاحية الجنوبية في لبنان "حسن زميرة".

ربما ينشغل الإيرانيون بقتل وتشريد الشعب السوري، وزميرة بتعبئة الرمان اللبناني بالحبوب المخدرة لتصديرها للمملكة، لذا لم تُطلق من قبله رصاصةً واحدة نحو إسرائيل، بل حتى الصواريخ التي تُطلق من غزة هي صواريخ لا تتجاوز كونها "كارتونية" هدفها فقد الدخول في خانة رد الفعل على الضربات الإسرائيلية.

أتصور أن الرجل من خلال حديثه المليء بكثير من الدناءة والحقد الأسود، وانتهاجه تبجيل الجمهورية الإيرانية، يسعى لنسف الدعم السعودي للقضية على صعيدٍ رسمي وشعبي، عبر رسائل أراد ابن جماعة الإخوان المسلمين تمريرها للجمهور الفلسطيني والعربي المتعاطف مع القضية، هدفها النيل من وزن المملكة امتثالا لنهجين، إيراني وتركي. فلا يخفى على الجميع سعي الدولتين للنيل من مكانة المملكة عبر تبني سياسات طفولية لا ترتقي حتى لأن يتبناها أشباه الرجال، وهو كذلك في إطار النهج الإيراني والتركي، الذي يقيم– أي التركي– علاقات مع إسرائيل منذ عشرات السنين ولم يجرؤ على مطالبتها بقطع العلاقة مع ما يسميه الكيان الغاصب، إنما وجه سهامه القذرة لدول الخليج. وهذا الموقف المقيت المتناقض، يشبه التعزية التي قام بها بعد قتل المقبور قاسم سليماني وانبطاح هنية هو والوفد المرافق له تحت أقدام المرشد الإيراني للتباكي على الهالك الإرهابي "المسمى قائد فيلق القدس وهو لم يشمُ رائحتها يوماً في حياته"، فيما لم يستنكر لا هو ولا حركته قصف مكة المكرمة من قبل جماعة الحوثي المارقة بصواريخ إيرانية.

والأمثلة كُثر على تناقضات ونكران الحركة بزعمائها للمعاهدات، إذ انقلبت على محمود عباس في الضفة الغربية، بعد توقيع هدنة تحت ستار الكعبة في شهر حرام، برعاية من الملك عبد الله بن عبد العزيز- غفر الله له- ناهيك عن وقوف الحركة والدولة الفلسطينية في التسعينيات مع نظام صدام حسين البائد في غزو دولة الكويت؛ وبيعهم نظام الأسد بثمن بخس، بعد أن كان قيادات الحركة يتمتعون بحياة رؤساء دول في سوريا، وكانت تحركاتهم في مواكب رئاسية، قبل أن يتم طردهم من قبل ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، بعد أن اعتقل ابنة خالد مشعل وزوجها "كورقة ابتزاز"، للطلب منهم مغادرة الأراضي السورية نظير عدم وفاء حركة حماس التي اقتاتت على الحكومة السورية عشرات السنين، ومالت مع طرف ضد أسرة آل الأسد.

إن القضية الفلسطينية التي تشكل عبئا على كثيرين من الناحية السياسية والشعبية، لا يمكن لها أن تلقى الاهتمام ذاته من قبل المتعاطفين في ظل إدارتها من قبل مجموعة من اللصوص والمرتزقة عديمي الوفاء، فالجمهور العربي الواعي سئم متاجرة السماسرة بها، وبلغ مبلغا أوقفه عن الدعم بالمال، والقادم سيصل للتعاطف.

أعتقد أنه من المستحيل استمرار الصمت الحكومي والشعبي من قبل دول المنطقة أولها المملكة على ممارسات حركة حماس "التي اتخذت قرار الحرب مع إسرائيل فرديا، ودون الرجوع للسلطة في رام الله"؛ لا سيما بعد ضربها بكل مصالحها مع العالم الإسلامي، والدول السنية تحديدا؛ عرض الحائط منذ عام 2007 على حساب بناء علاقات مع طهران، استنادا على الكذب والبهتان والتخلي عن العروبة وتسليم الضمير للمال السياسي على حساب القضية.

إن حالة النكران والجحود والكراهية بحق أبناء المملكة والمنطقة، تمنحني وتمنح كثيرا من الخليجيين الفرصة لتغيير قواعد الاهتمامات، وتحويل البوصلة لشأن دولنا الداخلي دون إعارة أدنى اهتمام لجاحد أو ناكر جميل.

وما يمكنني قوله بكل شجاعة لحركة حماس الإرهابية والجهاد الإسلامي، أنه لن نمنحكم المزيد من مالنا ودمنا. لا وقت لدينا لمجاملتكم وتحمل كذبكم ونكرانكم. لم تعودوا تعنون لنا.

لدينا قضايانا التنموية، ولديكم قضيتكم. كونوا رجالا لا أشباه رجال واستعيدوا حقوقكم بأنفسكم. اذهبوا إلى طهران، أو إلى الجحيم.. المهم انصرفوا عن وجوهنا.