بعد أن عمت جائحة كورونا كل العالم، وبعد أن بدأت دول العالم تطبيق الاحترازات الوقائية والتباعد الاجتماعي، للحد من انتقال هذا الفيروس الجديد، قرر بعض الدول إيقاف أو تأجيل الدراسة، خوفا من تفشي الجائحة بشكل يصعب معه السيطرة على الوضع. الجميع في المملكة كان ينتظر القرار الفاصل من وزارة التعليم، ويتساءل بقلق؛ هل سينطلق العام الدراسي في نفس موعد التقويم الدراسي المعتمد سلفا في الخطة الدراسية؟! أم أن الوزارة سوف تؤجل انطلاق العام الدراسي؟!.
المسؤولية الوطنية كانت تحتم على وزارة التعليم مواجهة الجائحة وتبعاتها بقرار تاريخي، يجمع بين عدم التهاون في أداء المهام والمسؤوليات، وبين المناسب اتباعه صحيا للحد من انتشار جائحة كورونا.
أصبح العنوان الأبرز يقول: وزارة التعليم في مواجهة جائحة كورونا، أي قرار سوف تعلنه وتعتمده؟! أصوات تطالب بتأجيل الدراسة، وأخرى تطالب بإيقاف العام الدراسي.
ولأن وزارة التعليم منظومة تقوم على الكفاءة العالية والجد والإبداع والتميز، أعلنت قرارها التاريخي؛ لا تأجيل للعام الدراسي، أي أن العام الدراسي سوف يبدأ في موعده المحدد سلفا، وذلك للمراحل كافة، بمنهجية جديدة تتبع الاحترازات الوقائية والتباعد الاجتماعي.. وأعلنت عن إطلاق منصة تعليمية تفاعلية متكاملة قادرة على تحقيق عملية التعلم عن بعد من خلال تواصل حي ومباشر بين المعلم وطلابه، بالإضافة إلى قنوات تعليمية متنوعة تقدم الدروس التعليمية لجميع المواد في المراحل كافة.
قرار تاريخي، كان بمثابة انطلاق ملحمة وطنية مطلوب من الجميع المشاركة في إنجاحها، الهيئة الإدارية والفنية، وهيئة التدريس المتمثلة في المعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات والأسرة. عام دراسي رقمي بامتياز، برزت معه تحديات كثيرة، وتجلت عندها إرادة قوية للإنجاز والإبداع. تحديات فنية تلخصت في معاناة بعض الأسر من ضعف خدمة شبكة الإنترنت في أماكن سكنها، وكذلك معاناة بعض الأسرة في التعامل مع المنصة كونها تجربة جديدة.
وخلال سير العام الدراسي بتحدياته المختلفة استطاعت الهيئة التعليمية إثبات كفاءتها العالية، وقدراتها الاحترافية في معالجة كل قصور وكل تحد يقف في وجه إتمام العملية التعليمية.
تجربة نوعية جديدة، فتحت معها آفاقا متنوعة جديدة للتعلم والتعليم تقوم على التقنية الحديثة في عالم الاتصال..تحققت بها ومعها مزايا جديدة، وإيجابيات رائعة توالت مع سير العملية التعليمية وفق الخطة الدراسية المقررة مسبقا. نجح التعليم عن بعد في إيجاد دافعية التعلم والمشاركة لكثير من الطلاب والطالبات أثناء الحصة الدراسية، وذلك ما أسهم بشكل مباشر في رفع مستوى التحصيل الدراسي. تجربة نوعية بكل المقاييس نجحت في تقديمها وزارة التعليم، لم تقف عند مسؤولية شرح المادة الدراسية وكفى، بل تجاوزته لإقامة الأنشطة من خلال البرامج والمسابقات الجديدة التي تتناسب والواقع العام المصاب بأزمة كورونا العالمية.
فقد أقيمت مسابقات رقمية نوعية شاركت فيها جميع الشرائح، الطالب/ة..ولي الأمر، المعلم/ة القائد/ة، المشرف/ة، وذلك في مجالات مختلفة تناقش تجربة التعليم عن بعد.
نعم.. لقد استطاعت المملكة العربية السعودية أن تقدم للعالم أنموذجا فريدا من خلال نجاح تجربة التعليم عن بعد الذي تبنته وانتهجته وزارة التعليم، مما جعل التجربة السعودية تكون محل اهتمام البنك الدولي، فتم عقد لقاء تعاوني بين مكاتب البنك الدولي في دبي وبيروت ووزارة التعليم ممثلة بمعلمين ومعلمات من مختلف الإدارات التعليمية في المناطق، وذلك لمناقشة الدور الريادي للمملكة العربية السعودية في تجربة التعليم عن بعد، والوقوف على التحديات الحقيقية التي واكبت عملية التعليم عن بعد.
عام دراسي فريد من نوعه..كتب بماء الذهب في صفحات التاريخ، بفضل الله أولا ثم بفضل القيادة الحكيمة التي تولي التعليم كل الاهتمام، وبفضل منظومة وزارة التعليم ووعي الأسر وحرصهم، الذين ساهموا فعليا في إنجاح هذا العام الدراسي الفريد، وكانوا شركاء في إنجاز هذه الملحمة الوطنية.