عندما يواجه العقل بالحقيقة يقف صامتا احتراما لها، وهي اللحظة التي نعتقد فيها أن لغة الكلام معطلة، ولا تسعفنا على النطق والرد والتعبير, وكلما كانت الحقائق أوضح والعقل أرجح طالت فترة هذا الصمت والتأمل.

ولغة الكلام لا تتعطل إلا لسببين: عدم القدرة على الكلام لسبب عضوي، أو لسبب انفعالي. الأول بديله الإشارة والثاني بديله الإحساس. والإحساس أكثر تعبيرا من اللغة نفسها, بل إن المحسوس من اللغة هو أبلغ وسائل اتصالها وهو أجمل ما فيها. والصمت إحساس كلامي لا يُنطق, فالعيون تتحدث غضبا أو شوقا أو إعجابا، والورود تتحدث عطرا وعبيرا، ولكل مخلوق لغته ووسيلة كلامه الخاصة.

وعندما تشعر أن نصف قرن مضى من عمرك لا بد أن تقف أمام حقيقة الزمن صامتا ومتأملا, وعندما تأتي سن (الخمسين) مصادفة مع المقال (الخمسين) فهي مصادفة لا شعورية أبلغ من الكتابة، ورقم يستفز الإحساس ليحيي ذكرى أو يزيد ألما, ورسالة تنبيه واضحة للسحب من رصيد العمر. فـ(الخمسون الذكرى) وعلى رأي جبران، بمثابة ما يأخذ البخور من المجامر، و(الخمسون الألم) هي الصامت بينهما، أما (الخمسون العمر) فهي ليست مجرد تاريخ بل لغة يفهمها من وصل لها زمنا ورقما، وعاشها بكل تفاصيلها ذكرى وألما، وهي مزيج من أحاديث الخيال والآمال وكلام لا يعطله عن النطق إلا صدمة مفارقة الشباب.

أما (الخمسون مقالة) فلغتها لا تتعطل ولن تتعطل ما دام أن هناك قراء بوعي قراء "الوطن"، وكل المحبين الذين أفدت من آرائهم الموجبة والسالبة إيمانا مني بأنها الحياة بإيجابياتها وسلبياتها، تكتبنا كما ترانا ونكتبها كما نراها، تختلف آراء كل منا باختلاف بصمة إبهامه وتجربته, لذلك فإنني على يقين بأن حروف مضاد لغوي حتى وإن سافرت للذات هذه المرة, فإن جمال إحساسكم بالكلام المكتوب لن يتعطل.