كانت كلمات خادم الحرمين الشريفين وتوجيهاته للإعلاميين بقول الحق أو الصمت نبراسا للإعلاميين، وهداية لهم نحو تحري الدقة والمصداقية، وتحمل مسؤولياتهم.
وحين لا ندرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتق المجموعة الإعلامية، وتلهينا الأنا المتضخمة داخل ذواتنا، سنقع حتماً فريسة سهلة ولقمة سائغة لهذا الجبروت الذي يطلق عليه الغرور. ونخرج عن جادة الصواب ونعلن بصخب عن صورتنا بكل ما تحمله من تفاصيل، قد نغفل بغرور بائس عن حملها لندوب أو ربما شروخ بحجم الصدوع الزلزالية. هكذا قدمت نفسها مجموعة تنتمي للإعلام المصري للعالم. وكشفت عن نسبة عالية من الضحالة والأنا المتضخمة، وكشفت عن ضعف المهنية ورداءة الأداء، وبساطة العقلية الإدارية وتهالكها. كنت أتوقع أن يحدث أكثر من هذا في أي لحظة، قياساً على ما كنت أراقبه طيلة أيام احتدام الثورة المصرية وما تلاها من تبعات. تلون خلالها الكثير ممن يسميهم أو يُعدهم بعض الإخوة المصريين بالرموز الإعلامية. ثم ما لبثوا أن انقلبوا عليهم، فاضحين أقنعتهم بشكل كوميدي اشتهرت به الروح المصرية. وأشبعوهم تهكماً وما زالوا يسخرون من أدائهم التمثيلي ثقيل الدم. لأنهم أدركوا سخف وقبح هؤلاء المسترزقين من على منابرهم. فعلى صدر موقع اليوتيوب العالمي ستجدون ما يغنيكم عن مشاهدة مسرحية (شاهد ماشفش حاجة). وستعرفون ربما أكثر عن هؤلاء المتلونين. الذين عرتهم قطرات دماء شهداء الثورة المصرية.
لقد بدا هؤلاء المنتسبون للإعلام أكثر حمقاً من ذلك الشاهد بالمسرحية الشهيرة. حين قرروا عن (85) مليوناً من الشعب المصري الطريقة التي يجب أن تكون عليها ردة الفعل. هكذا وهم معصوبو الأعين! ونصبوا أنفسهم أساتذة ومحامين وقضاة وشعباً في الوقت ذاته! ولا أدري حقيقة كيف يتجرأ من يحترم نفسه أولاً ومن يُفترض به ثانياً احترام سمو المهنة أن يفعل أفعال الأغبياء. إذ ليس في قاموس الإعلام المحترم قطعاً الاندفاع بهذه الطريقة المغفلة والسوداوية، وتبني القضايا الحساسة بكل هذه البساطة واللامبالاة. وهو يعلم ـ دون شك ـ حجم تأثير التأجيج الذي سيخلفه ذلك الفعل وسط مجتمعات تعيش حالة من الغليان في مختلف شوارعها في الوقت الراهن.
يحدث هذا إذا تغيب الشعور بالمسؤولية وتضخمت الأنا المطلقة، ومات الضمير الإنساني الذي يستشعر الآخر ويتلمس جراحاته ومشكلاته لحماً ودماً، ويُعنى بتفاصيل قضاياه كهم حقيقي ينطلق من إحساس صادق لا يزايد على انتماءاته وشراكته له.
أمثال هؤلاء المتعالين والمطبلين يسميهم الشعب المصري في تراثه الإنساني "كذابين الزفة"، باءت مساعيهم بالفشل بعد الموقف النبيل من خادم الحرمين الشريفين، وهم اليوم أكثر ما ابتلي به الشارع المصري حتى إنهم ليكادون يُدخلونه جحيم أبي العلاء المعري وجحيم دانتي معاً. ولا أجدني مشغولاً بذكر أسمائهم حتى، فهم بتصرفاتهم العبثية تلك إنما يحاولون في مشهد محزن لملمة ما تبقى من وجوههم التي تهشمت أمام الشعب المصري أثناء وبعد ثورة 25 يناير الشبابية.
لقد تحمل السعوديون أكثر بكثير مما يعتقد البعض من أمثال هذه الفئة المنهزمة المهووسة بأناقة ربطة أعناقها أكثر من اهتمامها بمصداقية الحدث.
وقدموا الأمثلة الرائعة تلو الأخرى كسياسيين، وإعلاميين ومثقفين لا تستهويهم "بروباقندا" الزوابع الإعلامية، بقدر ما تعنيهم المعلومة بمصداقيتها وسلوكياتها، مستعرضين فهمهم العميق لمستوى وحجم المسؤولية التي أنيطت إليهم. وسأكون مجحفاً حين أقارن بين الاثنين على مستوى الوعي والشعور بالواجبات، على الرغم من الفوارق الزمنية بينهما. وإن كان الزمن قد أكد أنه قد اختلفت موازين التواصل، إلا أنه أيضاً قد أثبت أن معادلة الأخلاق لم تختلف على صعيد المهنة. إذ في الوقت الذي كنا ننتظر فيه من الإعلام المصري الذي يحفل بتاريخ كبير وعظيم يؤكد معه خبرته التاريخية؛ نجده يفاجئنا بضعف قدرته على استيعاب أبسط أبجديات اللغة الإعلامية المُشرفة.
تلك اللغة التي غابت، كما يتحدث الواقع، في روح وأصل التعامل المراهق مع قضية المحامي المصري (الجيزاوي). ليرسب في امتحانه الراسبون بطبيعتهم، وينجح الإعلام السعودي وإعلاميوه في وضع البصمات على الحروف. ويقدم نفسه كأنموذج واع للعمل المهني الناجح والمتزن، دون أن يذهب بعيداً خلف اختلاق الأكاذيب.
إن مسؤولية تأجيج الشارع المصري يجب ألا يحمل وزرها المواطن المصري المطحون المغلوب على أمره والفلاح الطيب الممسك بفأسه. فإنما هم الحطب لا الوقود.