في حوار ولي العهد محمد بن سلمان الأخير، تأكيد على ثلاث حقائق أساسية هي:
أولا: أن السعودية تقوم على الشرعية الدينية، كما هو الطبيعي في دولة ترعى الحرمين الشريفين، وتضم أقدس بقاع الإسلام، وهي قبلة المسلمين. إلا أن هذه الشرعية ليست مغلقة في مذهب بعينه أو اجتهاد خاص، فالإسلام مرجعية عامة تقوم على كليات ثابتة ومقاصد عليا، أما التراث الفقهي فهو نتاج تفاعل النص والسياق في التاريخ، ومن ثم لا يمكن القول بتطابقه مع رسالة الدين المطلقة.
ثانيا: لقد بين ولي العهد أن مشروع الإصلاح والتحديث الذي تشهده السعودية حاليا له سقف عال، ولا يمكن أن تعيقه أفكار متطرفة أو جامدة. ومن هنا قوله إن النهج المتبع في المملكة لا يتقيد إلا بالآيات المحكمة والأحاديث المتواترة والصحيحة القوية، ويعني هنا النص بالمفهوم الأصولي كما عرفه إمام الحرمين الجويني وأبو حامد الغزالي ومن تلاهما من أئمة الأصوليين. فالنص هو جلي الدلالة أي «الذي يفيد معناه بنفسه»، ومن هنا اتساع مساحة الاجتهاد العقلي تأويلا وتنزيلا وترجيحا. ولقد اعتبر الإمام الشوكاني أن ترك الاجتهاد مفسدة للدين، وباب للشرك، وتعطيل أحكام الله، باستبدال الدين بالمذاهب الفقهية. ومن الغريب أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب قامت في أصلها من أجل الاجتهاد والتجديد ونبذ المذهبية الضيقة، وأصبحت اليوم توظف بطريقة مغايرة جمودا وتعصبا.
ثالثا: أن الاجتهاد الجديد لا بد أن يتلاءم مع واقع ومتطلبات العصر الراهن الذي تغيرت فيه وضعية الإنسان التاريخية والاجتماعية جوهريا. فالمطلوب هو إبداع فقه جديد لإنسان جديد كليا، ومن هنا فإن كثيرا من جوانب الفقه الوسيط لم تعد ملائمة لعصرنا الحالي. وكل تقديس للتراث السابق هو في الحقيقة تقديس لزمن ماض لا للدين نفسه الذي يتعالى على الزمان والمكان كما كان يقول الفيلسوف الباكستاني فضل الرحمن.
ومن هنا يظهر أن الرؤية الإصلاحية الراهنة لا بد أن يواكبها جهد حقيقي في تنقية الخطاب الديني من التطرف والتعصب والغلو حتى تظهر السعودية في وجهها الحقيقي قبلة جامعة لكل المسلمين وحاضنة لدين يضع عن البشر «الإصر والأغلال التي كانت عليهم»، بحسب الآية الكريمة.
الدين كله مصلحة وحياة وتجدد ونهوض... تلك هي رسالة الأمير محمد بن سلمان.