منذ عدة عقود، كان التعليم العالي في بلادي لا يعد من الضروريات التي يحرص عليها الشباب السعودي بنين وبنات، كان التعليم العالي حلما يراودنا وأصبح واقعا عايشناه ونتعايش معه، فقد كانت الدراسة الجامعية في عرف أهلنا رفاهية، وكان الساعي إليها يثير التساؤل والاستنكار، خاصة لو تطلب ذلك مغادرة مدينته أو قريته، فكيف بمن غادر بلاده ليكمل دراسته العليا، وكانت شهادة البكالوريوس هي هدف من تعدت طموحاته على مستوى المحيط، هكذا كان الوضع.. وهكذا أصبح -بحمد المولى سبحانه- فنحن اليوم نعيش مرحلة غيرت الموازين التي كانت مطروحة، فقد أصبح التعليم العالي الحقيقة المفروغ منها، فإذ لم تكن شهادة جامعية فمعهدا عاليا.. وإن لم تكن دكتوراه وماجستير فبكالوريوس على أقل تقدير، بل لم يعد الطموح مرتبطا بالدرجات فهناك الإنجاز، هناك الاختراع وهناك مسابقات تطمح نفوس أبنائنا وبناتنا إلى الفوز فيها.
وكان على من يشك في قولي هذا الولوج إلى القاعات المفتوحة أو حتى المغلقة للمؤتمر العلمي الثالث لطلاب وطالبات التعليم العالي الذي عقد برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله في مدينة الخبر ونظمته جامعة الدمام، عندها سيدرك أن المكان مهما اتسع فهو ضيق مقارنة بطموحات بناتنا وأبنائنا، فالتنظيم الذي اتسم بالدقة والروعة، قام بتحريك دفته طلاب وطالبات على درجة عالية من الوعي بأهمية مؤتمر يستهدف في المقام الأول تكريم المبدعين من أبنائنا طلاب وطالبات التعليم العالي، وتحفيزهم لتقديم الأفضل، وقد عانى الكثير في سبيل خدمة الغاية التي شرع من أجلها، فالزوار أكثر من التوقعات والطاقة الاستيعابية للقاعات الضخمة والمتعددة المخصصة لاستقبال الطلاب والطالبات المشاركين ولزوار المعرض المصاحب، ضاقت بمن أقبل عليها، وهذا يدل على مدى الوعي الذي وصل إليه الطالب والطالبة والمواطن السعودي وإدراكه لأهمية مثل هذه المؤتمرات التي تصب في المقام الأول في مصلحة وطننا الغالي.
لقد كنت أظن أن وصولي في الساعة الأخيرة للمؤتمر سيمكنني من الوقوف بسلاسة على كل ركن من أركان المعرض المصاحب الذي يعرض ملصقات توضح كل منها طبيعة البحث المقدم ونتائجه وتوصياته، والابتكارات وبراءات الاختراع، وعرضا لتجارب ناجحة لريادة الأعمال، وأفلاما وثائقية قصيرة، والرسم والتصوير والخط العربي..الخ، على اعتبار أن المتوقع أن يكون المعرض فارغا في ساعاته الأخيرة، ولكني لم أتمكن من الحراك إلا بصعوبة! فقد وجدت الداخلات إلى موقع المؤتمر أكثر من الخارجات، ولذا وصلت إلى البوابة الداخلية للمعرض بصعوبة ولأخرج من البوابة بعد دقائق معدودة فقد دق جرس الانصراف، وهكذا حرمت من الاستمتاع بما كنت أعده إنجازا لكل الوطن، سامح الله ظني وسامح الساعة التي أبت إلا أن تنغص علي فرحتي وزهوي ببناتي وأبنائي.
لكن.. يفترض ها هنا أن أسطر إعجابي بتلك الوجوه، وذاك الحماس الذي لامسته خلال تحركي إلى الداخل وإلى الخارج، فقد كان الجميع في شغل شاغل، إما متحدثة أو منصتة أو عاملة منجزة، وكانت السعادة ظاهرة على ملامح كل المقبلات والمدبرات، أما المستقبلات المنظمات من طالبات التعليم العالي، فبارك الله بهن، فقد كن يتحركن كخلية النحل، كل منهن تدرك تماما دورها المناط بها وتؤديه على أكمل وجه، أما القاعات المغلقة التي كانت مخصصة للطالبات المشاركات في المؤتمر والأنشطة المخصصة لهن، فلم أجرؤ على النظر إليها، وإن كنا جميعا في الداخل أو في الخارج ننتظر بشغف إعلان اللجنة المنظمة أسماء الفائزين والفائزات.
أما "الجواز العلمي" ذو اللون الأخضر فقد قدم لكل مقبل على المعرض، والغاية منه رصد تفاعل الزوار، كما يمكنهم من الدخول في مسابقة خصصت لها جوائز قيمة، وما عليهم للفوز بإحداها إلا المرور على كافة أركان المعرض المصاحب للمؤتمر، ومن خلال ثماني شاشات إلكترونية تعمل باللمس يطلب من كل منهم الإجابة على أسئلة تظهر عليها تتعلق بمحتويات المعرض، ومن يجيب الإجابة الصحيحة يدخل في سحب فوري على جوائز المسابقة، وهكذا استطاع المؤتمر العلمي الثالث ضم الزائرين والزائرات لدائرة المنافسة، وإضفاء جو حماسي رائع على كافة الزوار.
كما أثار إعجابي مطالبة المؤتمر العلمي الثالث بإفساح المجال للمبتعثين والمبتعثات بالمشاركة في مسابقات المؤتمر العلمي في الأعوام المقبلة، فمن شأن ذلك إثارة حماس بين الجامعات السعودية والطلاب والطالبات في الداخل لتقديم أفضل ما لديهم، وإن كنت أتمنى أن تخصص مسابقات تضم المبتعثين والمبتعثات فقط لا يدخل فيها طلاب الداخل، كما سيكون من الجيد توجيه دعوات خاصة لشخصية أكاديمية سعودية أوعربية أوعالمية كان لها إنجاز متميز في مجالها- كضيف شرف- تتحدث إلى الطلاب والطالبات عن مسيرتها العلمية، ولا بأس لو وجهت دعوات لطلاب وطالبات متميزات من جامعات دول الخليج العربي لتطلع على مسيرة المملكة العربية السعودية في مجال التعليم العالي.
وفي الختام، أشكر اللجنة التنظيمية التي احترمت حاجة الطالبات المتسابقات والزائرات لمساحة يتحركن من خلالها بحرية كاملة فخصصت قاعات للطالبات وأخرى للطلاب، كما نقلت حفل الافتتاح والحفل الختامي على الهواء مباشرة بنجاح تام.