فمساحة الغفران عند البشر تقف عند حد معين، وفي الوقت الذي يحاول فيه الإنسان تجاوزها يصطدم بتركيبته العصبية والعقلية.
إن عقاب الإنسان لنفسه هو العقوبة الأقسى والأمر، فلا يمكنه الهرب منها، وإلا سيلاحقه القلق والتوتر إلى كل مكان، حتى فراشه الذي يأوي إليه سيحرمه نومه، وإذا نام سيحول أحلامه إلى كوابيس، حتى يصل الإنسان إلى مرحلة الاستسلام، وقتها يتخذ قرار التصالح مع ذاته، أن يتقبلها بأخطائها كما هي، أن يصلح ويرمم ما تبقى منها، أن يبتسم إذا ذكر ماضيها دون أن يستخف بها، وأن يشرق وجهه لحاضرها وإن لفحت وجهه لهيب النار، وأن يعيش اللحظات الحاضرة بكل ما فيها من بهاء وجمال، ويعتصر كل قطرة فرح، ويتجاهل كل دمعة حزن.
تمضي حياة الإنسان وهو يأكل في نفسه، كما ذكر مؤلف كتاب «صديقي لا تأكل نفسك». يأكلها حتى لا يبقى له منها شيئا، وبعد أن تمر السنوات يكتشف أنه أهدر طاقته في قضايا ثانوية، أبعدته عن الحياة الحقيقية.
فلا تقف يا قارئ كلماتي هذه إلا على شيء يستحق أن تقف لأجله، أما مشكلات الحياة فهي جزء من هذه الحياة، ولن تستمر إلا بها، بل إنها لو لم تكن موجودة ستكون الحياة مملة رتيبة.
دورك فقط أن تدعها تمر، ألا تقتل نفسك بالقلق والهم، تصالح مع نفسك وقدر ذاتك، وحلي مرارة أيامها بقطعة سكر، وتذكر قوله «إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا».