غادرت نوال السعداوي بصمت، وطلبت ألا يحضر أحد جنازتها إلا ابنتها وزوجها وعائلتها المقربة. بغض النظر عن الموقف من أفكار وآراء المفكرة نوال السعداوي، إلا أنها دون شك تمثل نقطة تحول كبرى في نشاط الحركة النسوية العربية، بدفاعها الفكري والأدبي والسياسي عن حقوق المرأة، فقد ربطت دائما بين تحرير المرأة وبين تحرير الوطن سياسيا وثقافيا.

شاغبت وثارت وشكلت كتاباتها صدمة في أوساط المحافظة، وجعلتها عرضة للاتهامات بازدراء الأديان، حتى أن بعض الإسلاميين رفعوا دعوى قضائية تطالب بتطليقها من زوجها. كما لاحقتها الحكومات المصرية المتعاقبة، وصادرت بعض كتبها ومنعتها من مزاولة عملها في وزارة الصحة، قبل أن ينتهي بها المطاف في السجن خلال سبعينيات القرن الماضي.

حذرني الكثير من حولي من دخول بيت الدبابير، وكتابة مقال عن نوال السعداوي الذي اختلف الكثير عليها وعلى فكرها وكفروها وأخرجوها من الملة! إلا أن خطاب تحرير المرأة هو مرتكز أساسي من مرتكزات الفكر الإصلاحي النهضوي العربي منذ بدايته، ولا يمكن أن نكتب عن خطاب تحرير المرأة دون أن نتكلم عن السعداوي.


دعوني أحدثكم عن حقوق المرأة التي دافعت عنها نوال: من يطالع تفسير المنار قرائي والذي بدأه الإمام محمد عبده وأكمله تلميذه رشيد رضا، يدرك أهمية فكرة النهوض بالمرأة والتدليل على تأصيله الشرعي في هذا الفكر، فمحمد عبده ورضا كلاهما أكد المساواة الأصلية والفعلية بين المرأة والرجل إلى حد مطالبتهما الصريحة بمنع تعدد الزوجات مراعاة للمصلحة العامة.

كتب بعدهم عام 1899 قاسم أمين كتابه الشهير «تحرير المرأة»، الذي هو الكتاب التأسيسي للفكر الإصلاحي النسوي، منطلقا حسب عباراته من «التلازم بين انحطاط المرأة وانحطاط الأمة وتوحشها، وبين ارتقاء المرأة وتقدم المرأة ومدنيتها».

الطاهر الحداد المفكر الإصلاحي الذي تخرج في جامعة الزيتونة العريقة بتونس، كتب عام 1930 كتاب «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» طارحا فيه بقوة فكرة فتح باب الاجتهاد والتجديد لتحقيق مقاصد الشريعة في المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة في الحقوق، فقد كانت تونس سباقة منذ سنة 1956 الذي هو عام استقلالها، بإصدار مدونة الأحوال الشخصية التي منحت المرأة حقوقها الأساسية، متميزة باجتهادات جريئة من قبيل منع تعدد الزوجات مراعاة للعدل والمصلحة العامة، ومنح القاضي وحده الاختصاص بإعلان الطلاق، وتجريم العنف الجسدي ضد المرأة.

الاجتهادات هذه استندت إلى آراء فقهية من مختلف المذاهب الإسلامية وأجازها العلامة الكبير الطاهر بن عاشور ومفتي تونس عبدالعزيز جعيط، والمعروف كذلك أن الفقيه المصري الشهير محمد أبو زهرة مال إلى الرأي الفقهي الذي يفرض الشهادة على الطلاق، ويمنع التلاعب بسلامة الأسرة.

لقد طالب الكثير من الفقهاء المغاربة بقوة، بتحرير خطاب المرأة ومساواتها الكاملة مع الرجل، ولقد عبرت مدونة الأسرة الصادرة عام 2004 في المغرب عن هذا التوجه الإصلاحي، إلا أن التمييز الوحيد الذي لا يزال موضوع جدل فقهي هناك، هو ما يتعلق بفقه التركة والميراث، والذي يفسر عادة بأن الشريعة أوكلت الإنفاق على الأسرة للرجل بما يبرر حصول الذكر على ضعف حصة الأنثى كقاعدة عامة في المواريث، ومع تغير الأوضاع الاجتماعية ودخول المرأة سوق العمل، وإنفاقها على الأسرة في أحيان كثيرة بدأت تظهر اجتهادات فقهية لمواكبة هذه التحولات، ومن بين هذه الاجتهادات الفتوى بالرأي الذي أخذت به بعض المذاهب بخصوص جواز الوصية للوارث قياسا على مبدأ الوصية الواجبة للحفيد التي هي قول قوي في الفقه السني، وقد اعتبرت التشريعات المصرية أن للموصي، أن يوصي في حدود ثلث ثروته لأحد الوارثين دون اشتراط قبول بقية الوارثين، في حين اعتبر البعض أن من حق الدولة التدخل لفرض هذه الوصية في الحالات التي يخشى منها غبن المرأة.

قالوا لها «أنت امرأة متوحشة وخطيرة»، فكتبت قائلة «أنا أقول الحقيقة. والحقيقة متوحشة وخطيرة»، هكذا كانت وهكذا هي الحقيقة.