وطبيعي أن يجد «سبيتا» ودعوته تشجيعا وعونا من الاستعمار الذي وضع خططه لضرب الإسلام ولغته، وألبس دعوته ثوب الغيرة على الشعب العربي المسلم في مصر، ووجد من بعض المصريين تأييدا.
وهاجم سبيتا الفصحى، واختلق عليها عيوبا، ومسح جمالها الذي تفردت به دون سائر لغات البشر؛ لأنها اللغة الوحيدة الموزونة كل كلمة فيها وزنا موسيقيا.
والدعوة إلى اتخاذ العامية بدل الفصحى لغة الكتابة والعلم دعوة مستحيلة التنفيذ والتطبيق، ويكفي البرهان القاطع على استحالة تحقق الدعوة الواقع، نعم.. الواقع الذي لا يغالب.
وما ثمة برهان أقوى على فساد دعوة من أن داعيها المخلص لا ينفذها ولا يحققها، بل يقدم الدليل على استحالتها بأنه يتخذ خصمها إدانة ووسيلة في الخطاب والكتاب.
فهذا الداعية إلى اتخاذ العامية لغة الكتابة والعلم بدل الفصحى، لأنه يؤمن حق الإيمان باستحالة تنفيذ دعوته الهدامة، وقضى حياته داعيا إلى هجر الفصحى، قاذفا إياها بشر التهم، مختلقا عليها أبشع النقائص والعيوب، واتخذ لمحاربة الفصحى كل سلاح رأى فيه تحقيق مأمله، وحسب أن دعوته ستنجح، لأن كل العرب في جميع أقطارهم لا يخاطب بعضهم بعضا بالفصحى، وإنما يتخاطبون بالعامية.
ومادام الأمر كذلك فليبادر إلى وضع قواعد لها تحفظها من الضياع، وتمكن لها من السيادة والبقاء، وألف كتابا سماه «قواعد اللغة العامية في مصر»، أراد بها إعلاء شأن العامية، والزراية بالفصحى، ولم يكن وحده في مضمار الدعوة إلى العامية، كما لم يكن وحده في ميدان محاربة الفصحى، بل كان معه من الأوروبيين ومن الصليبيين العرب، ووحدوا صفوفهم، وتعدوا كل ما لديهم من قوة.
ولكن الدعوة أخفقت، فكل الدعاة إلى اتخاذ العامية بدل الفصحى كانوا هم أول معاول هدم ما دعوا إليه، فلم نجدهم يتخذون العامية لغة دعوتهم، وبذلك قدموا الدليل على أن دعوتهم باطلة، لأنها لا يمكن أن تكون لغة الكتابة والعلم والأدب.
وإذا قسروا أنفسهم وكتبوا الدعوة باللغة العامية لما اهتم بقراءتها المتعلمون؛ لأنهم لا يميلون إلى أن يقرأوا ما كتب بالعامية إلا نادرا، ولا يقرأون إلا النكت والفكاهات.
أما البحوث الجادة فهم ينصرفون عنها إذا كتبت بالعامية، ولهذا كان الدعاة إلى اتخاذ العامية لا يكتبون ولا يخطبون بها، وكان من أسباب انصرافهم عنها شيوع الأمية، حتى كانت نسبة من يعرف القراءة والكتابة لا يتجاوز ثلاثة في المئة، فلمن يكتبون؟ للذين لا يقرأون ولا يكتبون؟ لهذا لم يكتبوا بالعامية.