وفي هذا السياق يعتقد الكثير أن هناك فرقا شاسعا بين تكوين شبكة علاقات عامة ضخمة ومفهوم وتطبيق ما يُعرف شعبيا بمصطلح «الواسطة»، بينما هما في نظري مجرد وجهان لعملة واحدة في مجتمعنا، وذلك لأنهما يقودان غالبا لنفس النتائج، وإن حاول الكثير التفريق بينهما قائلين إن في تكوين العلاقات العامة إيجابيات أكثر لا تتمتع بها الواسطة، ولكن الواقع يقول إن هذه الفرضية لا تتوافر في الكثير من الحالات عند التطبيق، مما يجعل كلا النهجين يحملان نفس التوجه، ويفرزان نفس النتائج وإن اختلفت المسميات.
وهذا الواقع الذي نعيشه نحن تحديدا أوجد تأثيرا سلبيا بالغا أنتجه سوء تطبيق كلا المظهرين في أغلب الحالات، مما جعل هذا التأثير يُشكل في نظري معضلة مجتمعية كبيرة جدا تتلخص في تفضيل وتمكين ناقصي الكفاءة والقدرة في الغالب على غيرهم من ذوي المؤهلات والإمكانات، القادرين على أداء الأعمال ومختلف المناشط المهنية بجودة عالية جدا لا تتوافر غالبا فيمن تم تفضيلهم وتمكينهم. وقد يقول قائل مصيب إن مفهوم بناء العلاقات العامة مفهوم عالمي ولا يقتصر على مجتمع دون آخر، ولكن ما يميز الدول العاملة بهذا المفهوم، وتحديدا المتقدمة منها أنها تطبقه بأسلوب وممارسة لا تؤثر إطلاقا على مبدأ تكافؤ الفرص والتنافس الشريف، بينما العكس هو ما يحدث في مجتمعنا دون أدنى مبالغة، وهنا تكمن الخطورة، فالعلاقات الجيدة بين أطياف المجتمع أمرٌ لا بأس به، بل هو أمرٌ جميل وحَسَن شريطة ألا يُحدث وجوده خللا بنيويا يهدد مصالح المجتمع العليا، وألا يكون في تفضيله نبذ لقاعدة «القبول للأجدر» مهما كان حجم ونوع العلاقة التي تربط بين المعنيين بالأمر.
لذا أرى أن ممارسة هذا السلوك القاصر إن لم تُعالج ستؤثر سلبا في تنمية وتطور المجتمع من جهة، ومن جهة أخرى ستصيب من يتمتعون بإمكانات وطاقات الوطن في أمس الحاجة لها؛ بالإحباط والشعور بعدم الإنصاف الأمر الذي سيخلق منهم حتما مكامن ضعف ومظاهر خلل كان بالإمكان تلافيها لو أننا جعلنا معيار التقييم والتعامل والمفاضلة بين أطياف المجتمع المختلفة يعتمد فقط على الكفاءة المهنية ومدى جودتها، لا على العلاقة الشخصية ومدى قُوتها.