في ليلة شديدة البرودة، وفي أثناء صلاة المغرب، وتحديدا في جامع «التويجري» بـ«بريدة»، وبعد أن أتم الإمام الصلاة، قام أحدهم وهو رجل صاحب لحية شديدة السواد، تظهر من بين وتحت الكمامة التي يرتديها، وهي يحمل في يده سجادة الصلاة، ويرتدي لباسا شتويا بسبب البرد القارس في تلك الليلة الماطرة. سلم على الإمام سلام (نظر)، وبعد ذلك ارتجل الحديث لجماعة المسجد، يحث الجميع على أهمية تطبيق الإجراءات الاحترازية، مؤكدا أن هذا من باب حفظ النفس وعدم التوجه بها للهلاك، ومشددا على الأهمية البالغة للتقيد بالتعليمات والتنظيمات التي تصدرها الجهات المختصة، لمواجهة جائحة «كورونا» والحد من آثارها، ومؤكدا أيضا أنه واجب، وعلى الجميع التقيد به، وهو واجب شرعي يأثم المكلف عند مخالفته، ومذكرا أن التقيد بهذه التعليمات من باب طاعة ولي الأمر (حفظه الله). وما زال هذا الرجل الأب الحنون يلقي حديثه، وهو يبتسم للجميع من خلال عينيه بكل أدب وأخلاق، ملفتا الجميع إلى حديثه الشيق وتوجيهاته، وقدرته العجيبة على تقبل الجميع حديثه بسبب كلامه السلس، وهنا الحديث يطول والجميع منصت لما يتحدث به هذا الرجل. مر الوقت سريعا، والجميع منغمس فيما يقوله، وفي إنسانيته وفكره الراقي، وبعد بضع دقائق انتهى حديثه. خرج من المسجد، وهنا قادني فضولي الإعلامي إلى تتبعه وملاحقته (لم تكن ملامحه غريبة عني)، ولكن الكمامة كان لها دور كبير في إخفاء الملامح.
انطلق الرجل سريعا نحو مواقف السيارات، وهو يلقي التحية، مشيرا بيده لكل من واجهه في طريقه من المصلين، وإذا به يركب سيارته وينطلق في حال سبيله، وأنا ما زال فضولي الإعلامي يدفعني في حيرة من أمري حتى بعد أن استقل سيارته.
واصلت ملاحقته، وإذا به يتجه مباشرة إلى مسجد آخر في الحي المجاور للحي السابق، يتوقف عنده قبل وقت دخول صلاة العشاء بوقت كاف وطويل، وهنا تركته في حاله.
في اليوم التالي سألت إمام المسجد: من كان الرجل الطيب الذي تحدث بالأمس في صلاة المغرب؟، فقال: هذا مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية في القصيم، الشيخ إبراهيم السويلم.
هنا تحدثت مع نفسي، قائلا: سبحان الله رجل بمنصب قيادي، تحت إدارته الكثير من الموظفين، وقت الدوام الرسمي وخارجه، ومع ذلك أجده لوحده يتنقل من مسجد إلى مسجد، يلقي الكلام الطيب، ويحذر من التهاون في تطبيق الإجراءات الاحترازية، ويؤكد أهمية استمرار التقيد بها، حتى نستمر نصلي في المساجد، وحتى يصل المجتمع لبر الأمان.
نجد الرجل لوحده يصول ويجول دون أي حشود وعلاقات وإعلام أو كاميرات تصوير وفلاشات، أو على الأقل سائق خاص ينقله من مسجد إلى آخر!!.
كل ما أقوله بالفعل: الشيخ السويلم نموذج مسؤول بقلب مواطن مخلص، وأسأل الله أن يحفظ الجميع من هذا الوباء، والسلام ختام.