من حق الشعوب أن تعبر عن مشاعرها في كل الظروف والمناسبات، وأصدق هذه المشاعر هي التي تأتي من العقلاء و الحكماء أصحاب الفكر والرأي الثاقب ممن لا تؤثر عليهم مصالحهم الخاصة.
إن مشاعر الحب والوفاء والتقدير التي حملها الوفد الشعبي المصري الذي وصل يوم الخميس الماضي إلى العاصمة الرياض وقابل خادم الحرمين الشريفين وولي عهده بالأمس الجمعة برئاسة رئيس مجلس الشعب ومجلس الشورى المصري ورؤساء اتحادات الغرف التجارية والصناعية والاستثمار وجمعية أصحاب الأعمال المصريين، وتمثيل متكامل من جميع أطياف المجتمع المصري وفئاته وأحزابه هي مشاعر صادقة وراقية غير مدفوعة بتوجه حكومي أو مجبورة بضغوط محلية أو أجنبية، وإنما هو تفويض لها من الشعب المصري لأن ينقلوا المشاعرالحميمية من الشعب المصري لشعب وقيادة المملكة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير نايف بن عبدالعزيز، نعم إنها تمثل تلاحم الشعبين ومدى قوة العلاقات الشعبية والرسمية ممثلة في مؤسسات المجتمع المدني المصري.
وتؤكد للحاسدين ولأولئك الذين عملوا بكل الجهود لتشويش العلاقة، ومحاولة إحداث شرخ في العلاقة بين أكبر وأهم دولتين في العالم العربي واللتين بدونهما لن يكون للعرب قائمة أو قيمة سياسية أو اقتصادية أو فكرية أو ثقافية، هذه هي الحقيقة وإن لم تعجب الآخرين لكنها الواقع الذي فرض نفسه، تاريخ عريق ومواقف ثابتة وأصيلة في الظروف الصعبة.
إن ما يدفعني للكتابة في هذا الموضوع رغم أنه سبقني المئات بالتحليل والتفصيل إلا أنني فخور كل الفخر لأن أكتب بعد الزيارة التاريخية لممثلي الشعب المصري للقيادة السعودية بعد ماحدث أمام السفارة السعودية في مصر، والتي تجرأ على الإساءة لها أشخاص لا يمثلون الشعب المصري أو حكومته، من غوغائيين تدفعهم قوى لها مصالح من هذا التوتر، رغم علمهم بأنهم لن ينجحوا وإن اعتقدوا بأنهم نجحوا في خلق توتر بين الدولتين فهم مخطئون لأن سحب السفير والقناصل وقفل السفارة إنما كانا حفاظا على الأرواح الغالية لمواطنين دبلوماسيين سعوديين، وهكذا دائما تحرص قيادة المملكة على سلامة مواطنيها أينما كانوا دبلوماسيين أو مواطنين عاديين أو رجال أعمال.
إن زيارتي لمصر يوم الأربعاء الماضي لعقد اجتماع طارئ لرئيسي مجلس الأعمال السعودي المصري، وبحضور رؤساء الاتحادات التجارية والصناعية وجمعية أصحاب الأعمال والمستثمرين المصريين بدعوة كريمة من رئيس اتحاد الغرف المصرية رئيس غرفة الإسكندرية الأستاذ أحمد الوكيل لمناقشة وضع الاستثمارات السعودية في مصر والاستثمارات المصرية في السعودية، ولقد فوجئت بالحشد الكبير من رجال الأعمال ممثلي الغرف والاتحادات وبحشد إعلامي يمثل معظم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والذين استقبلوني مع زميلي المهندس إبراهيم محلب رئيس الجانب المصري في مجلس الأعمال، استقبالا رائعا رافعين الأعلام السعودية على بوابة الغرفة وعلى أعلى قمة من مبنى الغرفة سعداء جدا بهذه الزيارة وفي ذلك الظرف بدأ الاجتماع بكلمات رؤساء الاتحادات الاقتصادية التي كانت معبرة وصادقة أعربوا فيها عن أنهم يمثلون أكثر من أربعة ملايين رجل أعمال مشتركين في الغرف التجارية والصناعية والاتحادات والغرف الأخرى، وجميعهم حريصون كل الحرص على العلاقات السعودية المصرية ويكنون لشعب وقيادة المملكة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين كل احترام وتقدير ويقدمون كل الأسف على الموقف غير المسؤول من قلة لا ينتمون ولا يمثلون الشعب المصري ويؤكدون رغبتهم وأملهم وإصرارهم على عودة السفير السعودي والقناصل المعتمدين وفتح السفارة وهم أشد حرصا على حماية السفير والدبلوماسيين السعوديين.
وقفة رائعة وكلمات أسالت الدموع من عيني وعلى وجه الخصوص كلمة محافظ الإسكندرية أستاذ القانون عميد كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية سابقا الدكتور أسامة الفولي، الذي تحدث بحرقة من القلب عن هذا الحدث وأكد الجميع على ثقتهم في القضاء السعودي ورجال القضاء وثقتهم في الإجراءات النظامية التي اتخذتها الحكومة السعودية وحرصهم الشديد على العلاقات السعودية المصرية وسلامة السفير والدبلوماسيين. انتهى الاجتماع الاقتصادي لرجال الأعمال وأنا أسجل لهم اليوم كلمة تقدير واعتزاز بهم على عقلانيتهم وموضوعيتهم وحسن تصرفهم وبعد نظرهم، أسجل لهم وقفتهم مع الحق مؤكدا لهم أن رجال الأعمال في المملكة كانت لهم وقفة مماثلة ولم يقبلوا بأي ضغط نفسي لأن يتركوا استثماراتهم ويرحلوا عن مصر، فهم باقون حريصون على استثماراتهم في مصر محافظون على حقوق العمال مثمنون جهود ودعم القيادة السعودية للاقتصاد المصري وهي مواقف ليست غريبة من القيادة السعودية متطلعون للعمل معا وبكل الجهود الرسمية وغير الرسمية على معالجة المعوقات التي واجهت وتواجه بعض الاستثمارات السعودية وذلك تطلعا لمزيد من الاستثمارات العربية والسعودية في مصر.
إن الرجال تعرف في المواقف الصعبة وإن الأقنعة إذا انكشفت عن وجه بعض أصحاب الأقلام سيصعب علينا قراءة سطورهم أو الثقة في معانيها، وكما قال زميلي أستاذنا الكبير حمد القاضي في مقالته الشهيرة في صحيفة الجزيرة الأسبوع الماضي وأقتبس منها (لقد كانت مصر على مدى تاريخها وفية معنا ونحن أوفياء معها، مصر نحبها ليس لظلها الظليل.. ونيلها مروي الغليل..ولكن نحبها لتلك الوشائح الدينية والتاريخية والمصيرية التي تربط بيننا..هذه مصر أهرامات من العطاء..وفيض من الوجد..وحقول المحبة لا يمكن أن تصبح حرائق من الكراهية..تماما مثلما لا تستطيع منائر النور أن تتحول إلى خرائب من الظلام).
عدت إلى جدة على نغمات زغاريد النساء المصريات المعتمرات في الطائرة المصرية فرحا بالخبر الذي نشر عن زيارة وفد شعبي مصري برئاسة رئيسي مجلسي الشعب والشورى استبشارا لعودة السفير السعودي وفتح السفارة والقنصليات، حقيقة (إن جسور المحبة لا تهدمها الزلازل).