قَالَ الْمَأْمُون يَوْمًا لِأَحْمَد بن أبي خَالِد: أغد على باكرا لأخذ الْقَصَص الَّتِي عنْدك فَإِنَّهَا قد كثرت لنقطع أُمُور أَصْحَابهَا فقد طَال صبرهم على انتظارها فبكر وَقعد لَهُ الْمَأْمُون فَجعل يعرضهَا عَلَيْهِ ويوقع عَلَيْهَا إِلَى أَن مر بِقصَّة رجل من اليزيديين يُقَال لَهُ فلَان اليزيدي فصحف وَكَانَ جائعًا فَقَالَ: الثريدي.
فَضَحِك الْمَأْمُون وَقَالَ يَاغُلَام: ثريدة ضخمة لأبي الْعَبَّاس فَإِنَّهُ أصبح جائعًا، فَخَجِلَ أَحْمد وَقَالَ: مَا أَنا بجائع يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَكِن صَاحب هَذِه الْقِصَّة أَحمَق وضع نسبته ثَلَاث نقط. قَالَ: دع هَذَا عَنْك فالجوع أضرّ بك حَتَّى ذكرت الثَّرِيد: فجاؤوه بصحفة عَظِيمَة كَثِيرَة الْعرَاق والودك، فأحتشم أَحْمد: فَقَالَ الْمَأْمُون: بحياتي عَلَيْك لما عدلت نَحْوهَا فَوضع الْقَصَص وَمَال إِلَى الثَّرِيد فَأكل حَتَّى انْتهى، والمأمون ينظر إِلَيْهِ فَلَمَّا فرغ دَعَا بطست فَغسل يَده وَرجع إِلَى الْقَصَص فمرت بِهِ قصَّة فلَان الْحِمصِي فَقَالَ: فلَان الخبيصي.
فَضَحِك الْمَأْمُون وَقَالَ يَاغُلَام: جَاما ضخما فِيهِ خبيص فَإِن غداء أبي الْعَبَّاس كَانَ مبتورًا. فَخَجِلَ أَحْمد وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ صَاحب هَذِه الْقِصَّة أَحمَق فتح الْمِيم فَصَارَت كَأَنَّهَا سنتَيْن.
قَالَ دع عَنْك هَذَا فلولا حمقه وحمق صَاحبه لمت جوعًا فجاؤوه بجام خبيص فَخَجِلَ.
فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون بحياتي عَلَيْك إِلَّا ملت إِلَيْهَا فانحرف فانثنى عَلَيْهِ وَغسل يَده ثمَّ عَاد إِلَى الْقَصَص فَمَا أسقط حرفًا حَتَّى أَنِّي على آخرهَا.