كل هذه التحديات التي تبرز مع بداية هذا العقد الجديد أكثر من أي وقتٍ مضى، تأتي بمتغيرات نوعية وكمية بحاجة إلى مواجهة مبنية على التجديد، وأعني التجديد في طريقة التعاطي مع تلك التحولات والمتغيرات.
كما أثبتت الشركات البتروكيميائية الوطنية قدرتها على تجاوز أزمة 2005 الاقتصادية، فقد أكدت مجددا، وعلى رأسها شركة سابك وشركات المتقدمة والتصنيع وسبكيم وكيمانول وحتى شركة صدارة، قدرتها على تجاوز الأزمة العالمية العام الماضي، والتي لا تزال تخطو خطواتها الأخيرة بعيدا عن صدر الاقتصادات التي جثمت عليه لأكثر من عام، إلا أن الجديد هذه المرة هو أن هذه التحديات تمر عبر عقبات الإستراتيجيات الاقتصادية للكثير من الدول المستهلكة للبتروكيميائيات، والتزامها باتفاقية المناخ وتوجهاتها العامة نحو الوقود المتجدد والطاقة النظيفة.
لذلك من المهم أن تتعاطى الشركات البتروكيميائية الوطنية مع هذه التحديات بطرق أكثر إبداعا وقدرة على أخذ المخاطر المتعلقة بالقدرات البشرية والتقنيات الجديدة، ويأتي الابتكار على رأس الحلول المهمة لتجاوز تلك التحديات، يتلوه تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوت، وإدارة المعلومات والعمليات رقميا وأيضا التخطيط الإستراتيجي، وخطط استمرارية أداء الأعمال (BCM) المبنية على الرقمنة، كل هذا سيساعد هذه الشركات على لاقتناص هامش ربحي أكبر، وخفض التكاليف على المدى الطويل في منتجاتها النهائية.
المؤشرات الاقتصادية تؤكد أن هناك انخفاض طلب سيحدث في أوروبا وأمريكا في مجال البتروكيميائيات والبلاستيك، تحديدا بنهاية هذا العقد وفقا للاستخدامات الحالية للتطبيقات البلاستيكية، وعلى العكس تماما ستكون هناك طفرة كبيرة في الشرق وتحديدا في الصين والهند للطلب على المواد البتروكيميائية والأسمدة الزراعية مدفوعة بالنمو السكاني والنهضة الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها الصين والهند حاليا.
لقد عززت اتفاقية التبادل التجاري المعفى من الرسوم بين الصين والسعودية فرص النمو في هذا القطاع، في ذات الوقت يدار في أروقة الاتحاد الأوروبي أن هناك نية لتعديل معاهدة حماية الاستثمار في مجال الطاقة، وذلك بهدف إنهاء استخدام النفط ومشتقاته في أوروبا، حيث تعتزم بعض الدول الأوروبية الانسحاب من المعاهدة ما لم تتماشى مع أهداف أوروبا المناخية للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية أو الحياة الكربوني بحلول العام 2050، وهي الاتفاقية التي وقعت قبل أكثر من ثلاثين سنة، وتسمح للمستثمرين في مجال النفط والغاز وصناعاتها المنبثقة كالبتروكيماويات بمقاضاة الدول بشأن سياساتها المستجدة التي تؤثر في استثماراتهم داخل تلك الدول.
الاتفاقيات السعودية الصينية المعفاة من التعريفات الجمركية ستساعد في رفع كفاءة أداء قطاع البتروكيميائيات مادامت الصين تنمو بقوة، غير أنها ليست الحل الأنجع لاستدامة كفاءة الأداء، لذلك يجب تعظيم الاستثمار والإنفاق في الابتكار وقدرة الموظفين العاملين في القطاعات البتروكيميائية من خلال تزويدهم بكل الوسائل التي تحفزهم، وتساعدهم على تطوير هوامش الربحية في كل مراحل الإنتاج البتروكيميائي، بدءا من منبع الإنتاج (upstream) من خلال خفض التذبذب السلعي، وفي منتصف الإنتاج (midstream) من خلال سلاسل الإمداد والتخزين، وضمان وصول الشركات الوطنية للمواد الخام ولقيم الغاز، وفي المصب (downstream) من خلال المرونة في الوصول إلى أسواق وزبائن بطرق مبتكرة.
الابتكار في كل هذه المراحل، سوف يعظم مساهمة القطاع البتروكيميائي في المجال الاقتصادي، وبالرغم من أن أكبر المستهلكين للمنتجات البتروكيميائية هو قطاع النقل والسيارات الذي يعيش ثورة تقنية للتحول إلى الوسائل الكهربائية، إلا أن هذا لا يعتبر تهديدا للتطبيقات البتروكيميائية أبدا في حال وجد الابتكار ليسهم في إنعاش هذا التوجه، كما أنه لا يعتبر تهديدا للنفط؛ لأن السعودية تقوم حاليا ببناء مشروعها لتحويل النفط الخام إلى بتروكيميائيات مباشرة وبخطوة واحدة، وهو ما يعني أن ما لا نستطيع بيعه من النفط الخام بسعر عادل سوف نحوله إلى مواد بتروكيميائية ونبيعها بأضعاف أضعاف سعر النفط الخام.
ولأن الابتكار في مجال الصناعات البتروكيميائية يعتبر المفتاح الذهبي لقيادة الصناعة خلال هذا العقد، فإن الابتكار نفسه يحتاج إلى قيادات صناعية متجددة وواثقة، وذات فكر إستراتيجي ومرونة عالية، كما يحتاج إلى عقول وطنية شبابا وبناتا لجلب الأفكار والتطبيقات لخفض الكلفة وزيادة الهوامش الربحية، وأهم من هذا كله إيجاد الحلول للزبائن، وهي التي تضمن بقاء اعتمادهم على منتجاتنا البتروكيميائية.