فمن خلال عدد من تلك القضايا التي تم نظرها من قبل الجهات القضائية وهي قضايا كان الادعاء يُقرر أنها تُشكل مخالفة الفقرة الخامسة للمادة الثالثة لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، بيد أن الجهات القضائية عند النظر في وقائع الدعوى والبحث عن عناصر ارتكاب الجريمة التي تتألف من ثلاثة عناصر أساسية وهي العنصر النظامي (القانوني) والعنصر المادي والمقصود به الفعل الذي قام به المخالف والعنصر المعنوي وهو اتجاه الفاعل وقصده بفعل السلوك المجرم، فيتضح للجهات القضائية أن الفعل المطلوب تجريمه لم يتم تكييفه التكييف الصحيح ولم يُعط التوصيف النظامي والشرعي الدقيق، وذلك أن التكييف القضائي هو الفاصل والحاسم، وأن التوصيف القضائي للوقائع هو الذي يفصل في جميع القضايا، فيتضح أن هناك إشكالية حقيقية في فهم وتوصيف الجريمة المعلوماتية، ويُعزز هذا أن القضاة قد تحدثوا في عدة ندوات أنهم يواجهون إشكالية عدم صحة التوصيف للدعوى من قبل النيابة العامة للجرائم المعلوماتية، وكذلك قول أحد قضاة محكمة الاستئناف إننا (نشتكي أن التوصيف يكون فيه خلل لأن الجهات المدعية تضع قضايا حقيرة (أي قضايا ليست ذات شأن كبير) في منزلة قضايا كبيرة، وكذلك يطالبون في كثير من القصايا أنها قضايا حرابة ويطالبون بتطبيق حد الحرابة مثل المضاربة أو المعاكسات، ويترتب على ذلك المبالغة في التوصيف للدعوى المطالبة بعقوبة أكبر من الجريمة ونحن لدينا ضابط لابد من التوازن بين العقوبة والجريمة، وبسبب عدم دقة التوصيف الحقيقي للدعوى فقد نقضت المحكمة العليا عدة قضايا، وذلك إما بسبب عدم اكتمال عناصر الجريمة وذلك بفقدان ركن من أركان الجريمة وإما بعدم إعطاء التوصيف الحقيقي للجريمة. وهذا يجعلنا نتفكر فيما يُنشر خصوصا من الجهات الرسمية إذا ما قررت أن هذا الفعل يُشكل جريمة أو مخالفة هل يتم دراسة العناصر الحقيقية للمخالفات والجرائم قبل ظهورها إعلاميا، وهل يتم التدقيق في إعطاء التوصيف النظامي والشرعي لتلك المخالفات؟ وذلك لأن هذه المخالفات والجرائم تكون قضايا أمام المحاكم ويتم نظرها وبذل الأوقات في التمحيص والتحقق من سلامة لوائح الاتهام من مخالفة النظام أو الخطأ في تطبيقه أو الخطأ في التوصيف للوقائع، وقد تمتد تلك القضايا لعدة شهور إن لم تكن عدة سنوات. فمن خلال التجارب القضائية والعمل في مجال نظر القضايا يتبين لي أن هناك كثيرا من لوائح الاتهام التي تم إعدادها من الجهات النيابية يشوبها شيء من القصور في توصيف الأفعال المجرمة وكذلك قصور في تحديد أركان الأفعال المجرمة، وينتج عن ذلك أن كثيرا من تلك الجرائم التي تم تقديمها للجهات القضائية يكون مصيرها إلى الرد أي رد الدعوى، أو النقض أي نقض الحكم الصادر فيها. لذلك فإن عملية التطوير والتنمية التي تتبناها حكومة خادم الحرمين الشريفين في جميع القطاعات ومن أهمها الجهات العدلية تتطلب أن يتم دراسة جميع القضايا دراسة معمقة من قبل مختصين ممن لهم قدم راسخة تتصف بالخبرة والتجربة في كيفية كتابة لوائح الاتهام، وذلك أن لائحة الاتهام من أخطر المراحل في تقديم الدعاوى وخصوصا في الدعاوى الجزائية المقدمة من قبل النيابات العامة. وكذلك التأني والتؤدة في إعطاء التوصيف النظامي (القانوني) والشرعي للمخالفات والجرائم، وذلك لأن عملية التوصيف المكتمل لأركانه وأسسه تجعل من تلك الدعاوى سالمة من شوائب النقض أو الطعن عليها بالقصور في تكييف عناصر الجريمة أو المخالفات النظامية (القانونية)، ولأن الخطأ في التكييف والتوصيف للجرائم يجعلها عرضة للنقض من جهات محاكم الاستئناف أو المحكمة العليا وعدم التوسع في تعميم النص الجزائي النظامي بإدراج تصرفات وأفعال ليست داخلة في عموم النص النظامي. فنأمل من الجهات المسؤولة عن إقامة الدعاوى أن تستفيد من أهل الخبرة في إعداد الدعاوى والمذكرات النظامية ولوائح الاتهام لتبقى هذه السلطة هي الحامي الحقيقي للمجتمع من المخالفات والجرائم، وحتى تكون الدعاوى المقدمة للجهات القضائية قضايا مكتملة الأركان والأوصاف، وتمتلك التوصيف القضائي الصحيح والمقبول لدى الجهات القضائية، لأنه من الواضح أن الاجتهاد في التطبيق أضحى لا يقل خطرا عن الاجتهاد في الاستنباط الفقهي إن لم نقل إن الأول أعظم خطراً، لأنه يتعلق بالثمرات الواقعية، والآثار العملية في حياة الأمة وهي الغاية القصوى من التشريع كله)، (ولدقة تحقيق المناط وتطبيق القواعد على جزئياتها صَعُب أمر القضاء).