يقترب تقسيم قبرص بسرعة من إكمال نصف قرن. وفي الواقع، لقد استمر هذا الانقسام الآن لفترة أطول من انقسام ألمانيا. ولم يكن ما يقرب من ثلثي القبارصة قد ولدوا بعد، عندما غزت القوات التركية قبرص لأول مرة. وتحافظ قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في قبرص، على الفصل بين القبارصة اليونانيين والأتراك، لكنها فشلت في وقف «ناهيك عن عكس» التطهير العرقي التركي للثلث الشمالي من الجزيرة.

وبينما قامت الأمم المتحدة بشكل متقطع، برعاية مبادرات لإنهاء الاحتلال، إلا أن هذه المبادرات لم تسفر عن أي نتيجة. ولم تكن هناك أي محادثات جادة خلال السنوات الثلاث الماضية، ولن تكون هناك، نظرا لأن اكتشاف مخزونات ضخمة للغاز في المياه القبرصية، سيقلل من احتمالات انسحاب القوات التركية.

وعندما تنخرط تركيا والقبارصة الأتراك، فإنهم يفعلون ذلك بسوء نية، للإبقاء على العملية حية، بينما يعملون في الوقت نفسه على تقويض أي حل دائم.


ماذا يريد أردوغان

يقول مايكل روبين الباحث المقيم في معهد «أمريكان إنتربرايز»، والمحاضر البارز في كلية الدراسات العليا البحرية في تقرير نشرته «مجلة ذا ناشونال إنتريست»، إنه عندما تفشل استراتيجية دبلوماسية بشكل مستمر، فيتعين عندئذ إعادة النظر في منطقها.

وقد تراجعت تركيا بالفعل عن أطر عمل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، القائمة منذ فترة طويلة، للتوصل إلى حل لأزمة قبرص، عندما رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الأسابيع الأخيرة، الفيدرالية وأصر على حل الدولتين، وهو ما يعني تسليم المجتمع الدولي رسميا بالتقسيم الدائم لقبرص.

وبدلا من تمكين أردوغان والحكومة الدمية لتركيا في شمال قبرص، من خلال معاملتها على قدم المساواة مع الحكومة القبرصية المعترف بها دوليا، ربما يكون قد حان الوقت لأن يتبنى المجتمع الدولي النموذج العراقي.

ويرى الباحث الأمريكي روبين، الذي عمل سابقا بوزارة الدفاع، وتعامل مع قضايا الشرق الأوسط، أن هناك فرقا بسيطا بين الكويت عام 1990 وقبرص اليوم، قائلا إنه ربما يكون الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، قد أعاد إحياء المزاعم الانتقامية ضد جارته الجنوبية الكويت، مثلما يفعل أردوغان الآن، لكن العراق غزا الكويت في المقام الأول لنهب مواردها الطبيعية. وينطبق الشيء نفسه الآن على تركيا في قبرص.

فقد اختفى السبب الأصلي للحرب بالنسبة لتركيا، وهو حماية المجتمع القبرصي التركي من المجلس العسكري اليوناني، الذي اختفى في غضون أسبوع، عندما انهار النظام العسكري اليوناني والتزم اليونانيون بالديمقراطية.

واليوم، تصنف منظمة «فريدوم هاوس» المعنية بقضايا الحرية والديمقراطية، اليونان كدولة بها نسبة مرتفعة من الحريات تماما، بل إنها تتفوق حتى على تصنيف الولايات المتحدة، بينما تصنف تركيا على أنها دولة تتدنى فيها الحقوق والحريات.

استعمار ونهب

عندما غزت تركيا قبرص، أصدر مجلس الأمن الدولي بالإجماع، عددًا من القرارات التي كانت رمزية ولكنها ضعيفة وغير حاسمة. وتدعو القرارات إلى وقف إطلاق النار واستنكرت استمرار القتال وعدم الامتثال لها.

ومنذ عام 1975، صدر أكثر من 14 قرارا إضافيا، لم يمنع أي منها تركيا من تعزيز سيطرتها على شمال قبرص. وفي الواقع، يعكس شمال قبرص أكثر حالات الأمم المتحدة عجزا. وعلى عكس رد فعل الأمم المتحدة بعد غزو العراق للكويت، فإن قرارات مجلس الأمن الأولية، بشأن الغزو التركي لقبرص جاءت باهتة وضعيفة. وفي حالة العراق طالب القرار 660 بانسحاب عراقي فوري وغير مشروط. وبعد أربعة أيام، أصدر المجلس القرار 661 الذي فرض عقوبات شاملة على العراق، وحظر معظم تجارته الدولية. وبعد ثلاثة أيام، أصدر المجلس القرار 662 معلنا بشكل قاطع أن ضم العراق للكويت غير قانوني. وفي 29 نوفمبر 1990، أصدر مجلس الأمن قراره الثاني عشر رقم 678 بشأن الأزمة، والذي مكّن الدول من استخدام «جميع الوسائل الضرورية» لإجبار العراق على الانسحاب، والامتثال لقرارات مجلس الأمن السابقة.

وشكل القرار 688 أساسًا للتدخل الإنساني المباشر، ومكّن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، من إنشاء منطقة حظر طيران، وهي سياسة تعاونت معها تركيا. واعتبر الباحث مايكل روبين أن مهمة الأمم المتحدة في قبرص، والتي تكلف أكثر من 50 مليون دولار سنويًا، لا تهدف إلى أن تكون برنامجا لتوفير وظائف، أو لإدامة الانقسام في قبرص.

ولكسر جمود الوضع في قبرص يجب أن يكون هناك نهج مختلف الآن. فقد خففت دول كثيرة العقوبات، أو خففت من نهجها إزاء تركيا، بسبب حجم الجيش أو الاقتصاد التركيين. ولا يعد هذا سببا للسماح لتركيا بتجنب المساءلة عن استعمارها ونهبها. وعندما فرضت الأمم المتحدة أشد عقوباتها حتى الآن على العراق، كان لدى العراق خامس أكبر جيش في العالم، في حين أن الجيش التركي يحتل اليوم المركز الخامس عشر من حيث الحجم.

معاقبة أنقرة

أشار روبين إلى أن الدبلوماسيين يفضلون نهج الانطلاق البطيء، ولكن من الصعب فهم النهج الذي جربوه لمدة 47 عامًا، وأنه قد يبدأ فجأة في تحقيق نتيجة. لقد حان الوقت لفرض عقوبات جدية على تركيا. وبدلاً من تشديد العقوبات ببطء على تركيا، بطريقة تسمح لأنقرة بالتكيف معها وتجاوزها، يجب أن يكون هدف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية المعتدلة، هو التغلب على تركيا واقتصادها المتعثر بالفعل.

ويجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إغلاق البنوك التركية، التي تعمل في شمال قبرص. كما يجب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أيضًا حظر الخطوط الجوية التركية، وأي شركة طيران أخرى تخدم شمال قبرص الذي تحتله تركيا من المجال الجوي الأوروبي، وينبغي أن تفرض عقوبات على أي شركة تركية أو دولية، تمارس أي نشاط تجاري في المنطقة المحتلة. كما يتعين أن يواجه جميع المسؤولين، الذين يخدمون في حكومة شمال قبرص غير المشروعة، عقوبات فردية وكذلك أولئك الذين يستثمرون في فاروشا أو غيرها من المدن المحتلة.

ويجب على جميع الدول اعتبار جوازات سفر شمال قبرص مزورة. يجب كذلك على جميع الدول التي تقيم علاقات مع قبرص، إغلاق المكاتب التمثيلية لجمهورية شمال قبرص التركية في أراضيها. وبدلاً من الاعتماد على حسن نية أردوغان، قد ترفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية العقوبات فقط، بعد حل جمهورية شمال قبرص التركية.

ويجب على الأمم المتحدة أن تدرس فرض حظر تام على مبيعات الأسلحة من تركيا وإليها. ولا يوجد سبب دبلوماسي لتمكين أطول احتلال في أوروبا، من الاستمرار على مدى نصف قرن مضى، أو السماح لتركيا بالاستفادة منه مع التنقيب عن الغاز البحري. ولا تعني المقارنة مع العراق اللجوء إلى العمل العسكري بالطبع، على الرغم من أن قبرص وحلفاءها، لهم الحق يوما ما في إزالة النقاط العسكرية الأمامية التركية، من الجزيرة بالقوة إذا فشلت الإجراءات القسرية الأخرى.