المتغيرات الحالية التي تجابه البشرية في القرن الحالي تتطلب درجات أفضل من الوعي البشري ليتمكنوا من إدارة المستقبل بمرونة أكبر وبخيارات أنجع، وبقدرات فكرية متفوقة وطرق وأساليب إجرائية أكثر ابتكارًا وإبداعًا، وقد تنقلنا إلى ما هو أبعد من ذلك خارج نطاق وعينا الحالي إلى قيم وقرارات واتجاهات أكثر ملاءمة للأوضاع الجديدة أو التي ستطرأ في المستقبل القريب بدقة أكبر على هندسة وعينا الإنساني ومرونته، وبذلك نستطيع أن نقّدر وندرك برشد ونضج أعلى المستجدات الحالية والمتغيرات المستقبلية وأن نستبصر ونستشرف بشكل أوضح واقع الغد وتحدياته ثم نتخذ أفضل الخيارات وأصوب القرارات المصرية والملحة.

العقل دائمًا يطابق ويقارن ويربط بين الخبرات والبيانات الجديدة مع الصور والخبرات السابقة ــ وليس بالضرورة أن يكرر التاريخ نفسه ــ لتتكون لدينا تصورات جديدة نعيها في ذهننا ونتصرف على ضوئها في تحديد قراراتنا ومواقفنا واتجاهاتنا وتعاملاتنا مع الآخرين.

ولا شك أن الإنسان مع روتينية الحياة، والتكرارية، والممارسات اليومية ولدت عنده مجموعة متشابهة من الأفكار والتقاليد والقيم والمواقف والاتجاهات التي تعمل وتؤثر لا شعوريا عليه، وتخلق قوالب ذهنية جامدة وطرق تفكير غير مرنة، تؤثر على قراراتنا وسلوكياتنا وتحليلاتنا للأمور أو تعاطينا مع المواقف وتعاملاتنا مع الآخرين، وقد تكسبنا نظرة ضيقة بغض النظر عن تغيير المواقف واختلاف الظروف والأحوال، ومع مرور الوقت تبقى وتترسخ هذه القوالب الذهنية الجامدة، وتصبح طبيعة وعادةً فينا ــ كما هو مشاهد بطبيعة الحال على واقعنا الحالي أو تعامل الآخرين معنا ــ وتقنعنا بمنطقيتها، وعلى تبرير الجوانب السلبية فيها وإلقاء اللوم على الآخرين، وهي تعمل بطريقة تلقائية وقائية ذاتية التدعيم، وتستهدف أيضًا إقناع الآخرين لتبني نفس السلوك والاتجاهات والمواقف المماثلة لسلوكنا واتجاهاتنا.


وبمعنى آخر، فحينما تظهر المشاكل والصعوبات ويتعثر الطريق بنا ويتطلب الأمر إحداث تغيير فلن يسفعنا وضعنا الحالي وسيستمر وعينا على ما هو عليه، لأن تهيئتنا الذهنية وتركيبتنا الفكرية تحول دون ذلك، أو قد توحي إلينا بمسؤولية غيرنا عن حدوث هذه المشاكل وأسباب هذا التعثر.

وإذا ما أدركنا هذه الحقائق عن طريقة تفكيرنا وخداع حواسنا فإننا نتيح لأنفسنا شيئا عن حرية الاختيار وصحة التفكير وامتلاك القدرة على الخيار بين حالات الوعي المناسب للمواقف والظروف الجديدة.

وحتى نواجه أمور الحياة المتغيرة بفاعلية أكبر وبدرجة أعلى من الرشد والإدراك يجب أن تتوافر لنا درجات من مرونة الوعي والقدرة على الاختيار والقرار يتناسب مع الأوضاع القائمة، وأن تتطور لتواجه التحديات المستقبلية.

إن المرونة في درجة الوعي الإنساني تعد عاملاً مهما نفتقده في نظم تعليمنا وثقافتنا وحضارتنا ويجب أن ندخلها في برامجنا التعليمية والتدريبية في كافة مستوياتها، حتى لا تتحكم فينا الروابط والقوالب الذهنية الجامدة، وبذلك نستجيب بكفاءة وفاعلية للأوضاع والمواقف المتغيرة في أعمالنا وأنشطتنا ودورب حياتنا وأوجه حضاراتنا.