لم يعد مستغربا ورود اتصال من شخص يتكلم بلكنة أجنبية ليطلب منا تحديث بيانات بطاقة الصراف، ويدعي أنه من البنك الفلاني أو من البنك المركزي. لكن السؤال الذي لم يتطرق له الكثيرون هو، من أين حصل المتصل على رقم جوالك واسمك وبياناتك الشخصية الأخرى؟

من يعمل بقرب من المنشآت المتوسطة والصغيرة وحتى بعض الكبيرة، يرى الضعف العام في حماية البيانات الشخصية، فكثير ممن يعملون في قطاع التسويق والمبيعات يتصرفون وكأن بيانات العملاء ملك لهم! فتجده ينقل بيانات العملاء الشخصية معه إذا انتقل إلى عمل جديد ويعدها ملكا له. كما أنه قد يبيع تلك البيانات للحصول على مبلغ إضافي في حال انتهاء عمله، وبسبب تلك الممارسات وغيرها لا تستغرب أن تجد على الإنترنت من يبيع قاعدة بيانات تحتوي بيانات ملايين الأشخاص بالسعودية مقسمة بحسب المدن والأحياء السكنية والدخل عبر الإنترنت بمبلغ لا يتجاوز500 ريال!

هذه الممارسات نشأت في ظل غياب جهات تضع قوانين للخصوصية والتعامل مع البيانات الشخصية في المملكة، وهو ما تلاشى- بحمدالله- بوجود الهيئة الوطنية للبيانات والذكاء الصناعي، ومكتب إدارة البيانات الوطنية التابع له، والذي يعنى بحوكمة ووضع التشريعات للبيانات على المستوى الوطني. وكانت من أولى ثماره إصدار سياسات حوكمة البيانات الوطنية، لتضع ممارسات تحتذي «النظام العام لحماية البيانات» GDPR وهي مجموعة من القواعد الموضوعة من قبل الاتحاد الأوروبي لحماية خصوصية بيانات مواطنيه. والتي أعادت ملكية البيانات إلى ملاكها الحقيقيين وهم الأفراد أصحاب البيانات، وليس الشركات والأشخاص الذين يتجارون فيها.


وقد أحسن مكتب إدارة البيانات الوطنية بإصدار سياسات حوكمة البيانات الوطنية بشكل عاجل لسد الفراغ، وسيعقب ذلك بلا شك مزيد من السياسات والتشريعات لتواكب خطط المملكة في أن تكون دولة رائدة في التحول الرقمي وبناء اقتصاد معرفي يعتمد على رأي المال البشري، ومعالجة البيانات، بشكل يمكن من تحقيق الكفاءة والريادة على مستوى العالم ويعيد تشكيل الطريقة التي يعيش ويعمل ويفكر ويتفاعل ويتواصل بها الناس.