يعد "التدريب" الركيزة الأساسية لفاعلية الإدارة الحكومية وتحسين الأداء ورفع الإنتاجية للموظف الحكومي، كما يشكل ضرورة ملحة للوفاء بالمتطلبات الوظيفية والمهام الرئيسية التي يؤديها الموظف، ومن ضمن سياسة كل وزارة أو مصلحة حكومية، تنفيذ برامج تدريبية تهدف إلى رفع كفاءة وتأهيل كافة فئات القوى العاملة بها، لكن ما العوائق التي تعوق تنفيذ هذه السياسة في الواقع العملي؟

من المعلوم أن مهام ومسؤوليات التدريب تقع على عاتق إدارة مختصة ومستقلة في أي جهة حكومية، ترتبط تنظيمياً بالوزير أو المسؤول الأول في الجهة، وتتخذ هذه الإدارة مسميات مختلفة مثل إدارة القوى العاملة أو إدارة التخطيط والتطوير أو التدريب والابتعاث.

وبالرغم من تحديد اختصاصات ومهام هذه الإدارة، إلا أنها في بعض الجهات الحكومية تواجه صعوبات ومشاكل داخلية وخارجية أثرت بشكل سلبي على التدريب بشكل عام، ولا أبالغ إن قلت إنها أدت أيضاً إلى وجود الواسطة والمحسوبية في تدريب وابتعاث الموظفين، أختصرها فيما يلي:

• ضعف إجراءات الرقابة الداخلية على عمليات ترشيح الموظفين وعدم الشفافية عند إعلان الترشيح: وتتمثل في عدم وجود نماذج للترشيح تتضمن أسباب الموافقة أو عدم الموافقة على ترشيح الموظف بشكل مفصل، والاكتفاء بسبب عدم الترشيح لبعض الموظفين على سبيل المثال هو أنه لا تنطبق عليهم ضوابط وأسس الترشيح فقط دون وجود تفصيل لهذا المبرر أو توضيح لهذه الضوابط لأنه لا توجد معايير معلنة لها، وهذا ما يثير الكثير من التساؤلات والشكوك حول آلية الترشيح في بعض الجهات، وخاصةً إذا علمنا أن عمليات الترشيح والإعلان عن البرامج التدريبية تتم بسرية تامة!.

• في معظم الجهات الحكومية يتم تشكيل لجنة باسم " لجنة التدريب والابتعاث"، من اختصاصاتها النظر في ترشيح الموظفين وإعداد الخطط التدريبية وتقدير الاحتياجات الفعلية للتدريب، وفي الغالب يرأس هذه اللجنة موظف من المراتب العليا في الجهة، والمشكلة هنا هو تداخل الصلاحيات والمسؤوليات مع إدارة التدريب، وبالتالي تتحول الإدارة إلى القيام بالإجراءات الروتينية الشكلية مثل إعداد الخطابات والمكاتبات وتوزيع التعاميم فقط..صحيح أن النظام يسمح بتشكيل مثل هذه اللجان، ولكن في اعتقادي أنه من المفترض أن يكون دورها هو الإشراف على التدريب، وليس الإشراف والتنفيذ في نفس الوقت، وفي مثل هذه الحالة فإن ذلك يؤدي إلى ضعف استقلالية الإدارة وانتفاء المسؤولية، وتغليب النظرة الشخصية في اتخاذ قرارات التدريب والابتعاث لأنها تعطي صلاحيات واسعة جداً لرئيس اللجنة وإلقاء المسؤولية على عاتق مدير إدارة التدريب، لذا يستطيع رئيس اللجنة ترشيح من يرغب من الموظفين في ظل غياب محاسبة المسؤولية.

• ضعف تقدير الاحتياجات التدريبية: يعد تحديد الاحتياجات التدريبية العنصر الرئيس والمحوري في عملية التدريب حيث تقوم عليه جميع دعائم العملية التدريبية بغرض تنمية الموارد البشرية، وقد يؤدي أي خلل في تحديد تلك الاحتياجات إلى ضياع كافة الجهود المبذولة من أجل الارتقاء بمستوى قدرات وكفاءة العاملين، وللأسف الشديد فإن العديد من البحوث والدراسات تشير إلى غياب تقدير الاحتياجات التدريبية في كثير من الجهات الحكومية، وذلك بالمخالفة لما تضمنته المادة (34/3) من لائحة التدريب الصادرة بقرار مجلس الخدمة المدنية رقم (16) والتي تنص على :"أن تتولى الجهات الحكومية تحديد الاحتياجات التدريبية لموظفيها وعليها أن تتعاون في ذلك مع جهات التدريب المختصة"، وفي اعتقادي أن من أسباب عدم القيام بتقدير الاحتياجات هو ازدواج المهام بين لجنة التدريب والابتعاث والإدارة المختصة وغياب الضوابط والمعايير، مما يترتب على ذلك خلق بيئة مناسبة للواسطة والمحسوبية في عمليات الترشيح، ومما يزيد في الطنبور نغمة، غياب تطبيق أنظمة تقييم كفاءة أداء الموظفين والتي لا تخلو من التحيز والاجتهاد الشخصي، والذي بدوره انعكس بالسلب على تحديد الاحتياجات التدريبية، حيث لا أحد يستطيع تحديد نقاط القوة والضعف في أداء الموظف، وقياس قدراته بموضوعية.

وخلاصة القول: نحن نعيش اليوم ثورة هائلة في التقدم المعرفي والتقني، وتغييرات متجددة في العمل الإداري، ومن الضروري أن يكون التدريب موازياً ومواكباً لهذه التطورات، لكن واقع هذا التدريب في الجهات الحكومية لا يفي بالمطلوب، مع أن خطط التنمية أكدت على استثمار القوى البشرية لتؤدي دورها في مختلف مجالات التنمية، وخير وسيلة لاستثمار القوى البشرية هي التدريب.

والجدير بالذكر، أن بعض الجهات الحكومية تسعى إلى تضخيم منجزاتها في تدريب موظفيها في تقاريرها السنوية، ووسيلتها في ذلك الإحصائيات والأسماء البراقة للبرامج التدريبية، والقول بأنه تم تحقيق أهداف خطط التنمية الخاصة بتطوير القوى العاملة!، والسؤال المطروح على هذه الجهات: ماذا عن تقييم الأثر التدريبي؟، فهل تستطيع كل جهة حكومية تضمين تقييم الأثر التدريبي في تقاريرها السنوية؟.

أشك في ذلك، لأنه في حال تطبيق تقييم الأثر التدريبي، فإن ذلك يتطلب الرجوع إلى تحديد الاحتياجات الفعلية للتدريب، والذي بدوره يتطلب الرجوع إلى أساسيات الترشيح وإجراءات الرقابة الداخلية عليها، وبالتالي النظر في صلاحيات ومسؤوليات إدارات التدريب بشكل عام، حيث إن العملية التدريبية عبارة عن عدة عناصر مترابطة ومتكاملة يكمل بعضها بعضاً، تبدأ بتحديد الاحتياجات التدريبية، وتنتهي بتقويم التدريب.

إن مشاكل ومعوقات التدريب لا تنتهي عند هذا الحد، بل هناك مشاكل أخرى تتعلق بالأمور الفنية مثل ضعف البرامج التدريبية وقلتها، وضعف التدريب العملي والتركيز على الجانب الأكاديمي والنظري، والضعف المهني لمراكز ومعاهد التدريب عموماً، والمهم في هذه المرحلة إعطاء التدريب الأهمية المطلوبة وخاصةً عند مناقشة التقارير السنوية للجهات الحكومية في مجلس الشورى، وإلزامها بتحديد الاحتياجات وتقويم الأثر التدريبي والإفصاح عنها بشفافية أكثر، والنظر أيضاً في التنظيم الإداري لإدارات التدريب والتطوير.