ماذا فعلت الثورة بإخوتنا وأحبابنا المصريين؟ لماذا سلبتهم سعة البال وخفة الروح؟ لقد أثارت هياجهم وأطلقت عقال عاطفتهم، وأسكرتهم فطاشت عقولهم فما لبثوا أن هاجوا وماجوا ونزلوا الميادين فاختلط حابلهم بنابلهم، وحكيمهم بجاهلهم، وانفتح سوق الكلام وصار الإعلام بقنواته التلفزيونية والصحفية يموج بالصالح والطالح، والناقد، والفاقد، والمحايد والمنحاز يضربون في "المليان" في الطالع والنازل، وكانت حادثة القبض على المهرب أحمد الجيزاوي بحمولة الحبوب المخدرة القشة التي فتحت باب السعير على سفيرنا وسفارتنا وعلينا جميعا.

سال قاموس السباب والشتائم في أعمدة الصحف وشاشات التلفزيون، وتم اختلاق القصص وتبهيرها بجرعات لا تحد ولا تحصى من الكذب والمبالغة التي لايستسيغها عقل لكنه الاستهداف والاستقصاد العمدي للهجوم على المملكة قد تسمعه من مذيع سابق مفصول من قناة العربية ينتقم بزعمه من خلال إيراد قصص ترفضها السليقة وينكرها العقل، ولو حركت مؤشر "الريموت" لوجدت هائجا آخر من فصيلة الإبل "معتز" بكلامه يهذي بما لا يليق حتى يملأ زبد الرغي والانفعال "خشته" ويكسو "براطمه"، والحال لا يبعد كثيرا عن سابقه مع المذيع التافه محمود سعد الذي رفض إذاعة خبر اعتذار طنطاوي على ما حدث قبالة السفارة السعودية في قناة الدنيا، أيضا لقد استصغرنا عمرو أديب فأرعد وأزبد كما أننا لم نعد في مرمى المذيعين فحسب، بل لقد صرنا ورقة انتخابية يتزايد في شتمنا بعض الطامحين للوثوب على كرسي الرئاسة، مثل حزب الحرية والعدالة الذي يتوق للصعود فوق ظهورنا، وإن أردت الاستزادة فاستمع للمرشح الآخر حمدين صباحي وهو يقول: لو كنت وزير الخارجية المصري لذهبت إلى السعودية وعدت بالجيزاوي إن كان بريئا، أو كان مدانا فالجيزاوي مصري، والكرامة للمصري "ليه يا سي الصباحي كفى الله الشر هي كانت فوضى وإلا كانت فوضى!! وإلا هيا وكالة ملهاش بواب، ما تختشي يا راقل".

إنكم تخسرون كثيرا من حيث ظننتم أنكم تراهنون على الكسب عبر شتمنا واستصغارنا، إنكم وغيركم من الذين انتصروا للجيزاوي ظالما أو مظلوما تخسرون على المدى البعيد فلن تصبح لكم مصداقية أو موثوقية في الإعلام بعد هذا الكذب وهذا التهتك، أنتم تخسرون رصيدكم عند المصريين الشرفاء والأنقياء والأوفياء وهم النسبة العظمى من هذا الشعب العظيم الذين يتحابون ويتصاهرون ويتشاركون الهم العروبي مع أشقائهم السعوديين، وهم الذين يسهمون دائما في إفشال كل محاولات الإيقاع بين بلدين عربيين قياديين وبين شعبين كريمين بينهم من الوشائج ما هو كفيل بردع كل زناة الكلام وطقاقات الإعلام.

لا يمكن لنا في المملكة أن ننكر أو نجحد أو نتناسى دور مصر والمصريين في تعليمنا، وتطبيبنا، وتثقيفنا، وإطرابنا ولا نظن أن هذا المدد سيتوقف لأن العلاقة مستمرة وستظل كذلك، ومثلما نؤمن أن مصر هي أم الدنيا فان الجميع يدرك سعة حلم حكام وأهل هذه البلاد الذين يترفعون ويحلمون ويتجاوزون عن الصغائر والكبائر، مما قد يحدث تجاههم، بما يثبت ويؤكد أن هذا الحلم والرشد والحكمة تجاه ما نواجهه من الإخوة العرب أحيانا، ومن مصر هذه الأيام يؤكد أنه كما أن مصر أم الدنيا بعاطفتها وانفعالاتها ونكرانها للعشير أحيانا فإن المملكة هي أبوها الراشد الرزين.

إننا أحوج ما نكون لوضع قائمة بأسماء "الجاحدين"، نضع فيها كل النكرات من المذيعين الذين فتحنا لهم قلوبنا وأيدينا وشاشاتنا فظهروا وتعلموا فيها واشتهروا من خلالها وارتفعت أجورهم بسببها وصاروا شيئا مذكورا، ومع ذلك فإنهم لا يتحرجون في كل سانحة عن شتمنا لمجرد ادعاء النزاهة، وإبعاد تهمة أنهم تابعون، ولهذا علينا أن نقاطع كل من يحيد ويجحد، ولسنا بدعا في ذلك، فلقد كانت مصر وما زالت تشدد القبضة عبر نقابتها الفنية الغنائية والسينمائية على كل فنان عربي من خارج مصر إن تجرأ وتطاول حيث تتم مقاطعته ومحاصرته وتضييع نجوميته وتذويبها، ولهذا صار الكثير من العرب يذهبون إلى مصر بوصفها محجتهم الفنية وهم يراعون الالتزام والأدب وعدم الخروج عن النص حتى لا يخسروا فرصة البروز والظهور السينمائي أو الغنائي مثلا.

فلماذ لا نمارس هذا الضغط ونحن نتولى إدارة أبرز وأكبر القنوات الإعلامية تلفزيونيا وحتى أكبر مؤسسات الإنتاج السينمائي.

ذات يوم، خرج عن السياق فيلم سينمائي مصري يتعرض للمملكة بالبهتان، تم في حينها مقاطعة بطل الفيلم الفنان محمد توفيق والفنانة سوسن بدر، فما كان من الفنانين إلا الاعتذار بعدما طالهما الجدب، وغابت عنهما عقود التمثيل وانحسرت نجوميتهما التي كانت في ذروتها مع محمد توفيق وفي صعودها مع سوسن بدر.

إن ما حدث خلال الأيام الماضية بيننا وبين شقيقتنا الكبرى مصر ليس إلا سحابة صيف عابرة، ومحاولة رخيصة لاستهداف العلاقة المتجذرة سياسيا وشعبيا بين أكبر بلدين عربيين، ونقول لكل من يتطلع ويرغب لإفساد العلاقة بينهما إن غدا لناظره: بعيد!!