لدى السعودية كل الإمكانيات لقيادة الاقتصاد منخفض الكربون، وبناء اقتصاد الطاقة الجديد، أو ما يسمى اقتصاد الطاقة من الجيل الرابع؛ وهو الذي تستخدم فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال مركزها الذي دشنته مؤخرًا مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي وتقنيات الطاقة المتجددة في نيوم، وغيرها من المشاريع التي يجري تنفيذها في جهات عديدة في السعودية.

حاليًا لدى أرامكو -عملاق الطاقة العالمي- القدرة على تصدير الهيدروجين على هيئة الأمونيا؛ وهو المركب الكيميائي المتكون من الهيدروجين والنيتروجين، والذي يحرق في محطات الكهرباء، ولا يبعث ثاني أكسيد الكربون (CO2) أو أيًا من غازات الكربون، وتتقدم أرامكو السعودية على غيرها من الشركات العالمية في هذا المجال لأسباب رئيسة، أهمها قدرتها التشغيلية، وخطوط الأنابيب الشبكية التي تربط شرق المملكة بغربها، ووجود خبرائها في مجال تقنية التقاط الكربون، وأساس بنيتها التحتية الصناعية الذي سهل لقط الكربون من عمليات محددة ودمجه بعمليات أخرى.

جاءت التجربة الأولى لتصدير الأمونيا الزرقاء إلى اليابان -وهي الأمونيا منزوعة ثاني أكسيد الكربون من العمليات- لتثبت أولوية أرامكو السعودية في قدرتها الابتكارية على مستوى العالم، هذا بالإضافة إلى إمكانياتها العالية لخلق تحالفات طاقة قوية مع الشرق والغرب، إن التحالف السعودي- الياباني، والذي ضم بالإضافة إلى أرامكو شركات مثل ميتسوبيشي وشركة (JGC) الهندسية، ووزارة الطاقة اليابانية وغيرهم من الشركاء اليابانيين، ليؤكد ثقة الشركاء العالميين بالقدرات السعودية، وعلو «كعبها» في مجال خليط الطاقة؛ أو بمعنى أوضح، في مجال تعدد الخيارات واستخدامات بدائل الطاقة التقليدية، حيث تخطط اليابان للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول العام 2050م، والسعودية تتطلع لأن تكون أكبر موردي اليابان بالهيدروجين، بالإضافة إلى كونها حاليًا أكبر الموردين النفطيين.


تستخدم الأمونيا (NH3) كناقل آمن لغاز الهيدروجين، حيث تكمن مشكلة غاز الهيدروجين في كونه سريع الاشتعال، ويتطلب حفظه ونقله خفض درجة حرارته إلى أقل من -250 درجة مئوية، وضغطه إلى الصورة السائلة، وهذه العملية بحد ذاتها مكلفة وشديدة الخطورة، إلا أن الأمونيا يمكن حفظها ونقلها بسهولة، وبسعر منخفض باستخدام الناقلات البحرية ذاتها المستخدمة لنقل النفط والغاز.

سوف يسهل لمستوردي الهيدروجين السعودي في صورة الأمونيا فصله واستخدامه في التطبيقات المتعددة في مجالات إنتاج الطاقة الكهربائية خالية الكربون، وأيضًا في السيارات الكهربائية التي تسخدم محركات كتلة الهيدروجين لتوليد الكهرباء.

إن من نعم الله على هذه الأرض الطيبة، تقسيمها الجغرافي والجيولوجي ومناخها المشمس دائمًا، حيث أعطى ذلك السعودية خيارات متعددة لإنتاج الهيدروجين الأزرق باستخدام الغاز الطبيعي، أو لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الكهرلة «التحليل الكهربائي» لمياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية.

وعلى الشق الآخر من العالم، تتجه أوروبا حاليًا بكل ثقلها إلى إنتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة المتجددة، ولكنها تواجه مشكلات في مجال استدامة الرياح والطاقة الشمسية بسبب العوامل المناخية، وهو الوقت نفسه الذي تقيم فيه السعودية العديد من الفرص المواتية في سلسلة قيمة الهيدروجين لإيجاد الحلول العالمية لخفض معدلات انبعاثات غازات الدفيئة.

إن التحالف مع الشرق هو الخيار المستقبلي الأكثر واعدية، خصوصًا مع وجود الإمكانيات السعودية الطبيعية والبشرية، كما أن اليابان ترى في السعودية شريكًا واعدًا في مجال تقنيات التقاط الكربون وإنتاج الكيميائيات الزرقاء وسلاسل إمدادها، وهو ما يميز أرامكو السعودية، حيث تعمل أرامكو حاليًا على مشروع تطوير تقنية التقاط الكربون المنبعث من عوادم السيارات والحافلات، واستخدامه في معامل الأسمنت أو تحويله إلى مركبات اليوريثان.

تعطينا كل هذه الحقائق صورة شاملة حول التوجه العالمي في مجال الطاقة في ظل هذا التذبذب في سوق النفط والغاز، حيث يتجه العالم إلى استدامة مصادر الطاقة وبناء اقتصاده على بدائل أقل اعتمادية على المتغيرات السياسية، ولا شك أن الهيدروجين هو الهدف المعلن لجميع الدول التي وافقت على اتفاقية المناخ والوصول لصفر انبعاثات كربونية بحلول 2050، بلا شك أن الدول التي كانت تعتمد على اقتصاد النفط والغاز سوف تتأثر في حال لم تنتقل لاقتصاد الهيدروجين، وهو ما نرى السعودية في طليعته عالميًا.