خلال هذا الأسبوع أطلقت وزارة الطاقة، بالتعاون مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، مركزا للذكاء الاصطناعي للطاقة لتعزيز الابتكار الرقمي في مجال الطاقة. وفي الأسبوع ذاته أعلنت الوزارة عن جاهزية العمل بمنظومات الطاقة الشمسية الكهروضوئية الصغيرة، ودعت القطاع الخاص للاستثمار في مجالات الطاقة الشمسية والمتجددة لدعم التوطين وزيادة المحتوى المحلي للمكونات اللازمة لإنتاج الطاقة الشمسية بدءًا من الخلية إلى تركيب اللوح الشمسي إلى تأسيس الحقول وصيانتها واستدامتها.
وعلى الرغم من السرعة الكبيرة التي تنطلق بها وزارة الطاقة، إلا أن القطاع الخاص لا يزال متأخراً جداً هو وقطاع التعليم بشقيه العام والعالي عن هذه الوتيرة، وذلك مقارنة بالقطاعات الأخرى التي تتماهى مع سرعة وزارة الطاقة نتيجة الشراكة الوظيفية.
لقد تحدثتُ الأسبوع الماضي في مقالي أن قطاع الطاقة يحتاج إلى الحالمين، واليوم أقول لسنا فقط بحاجة إلى الحالمين بل الحالمين السريعين أيضاً. لقد نجحت السعودية وهي أكبر خازن للبترول في العالم وأحد أكبر الدول عالمياً التي تعتمد على البترول والغاز في ميزانيتها من توزيع مصادر دخلها بأكثر من 30% من مصادر غير نفطية مع التوجه العالمي نحو الانبعاثات الصفرية للكربون. ونجحت أيضاً في تغيير المفهوم العالمي أثناء رئاستها مجموعة دول العشرين G20 إلى الاقتصاد الدائري للكربون، وهو ما يعني باختصار شديد السماح بإطلاق الكربون ولكن يجب عليك التقاطه وإعادة تدويره، وهو ما يسمى (البصمة الكربونية المنخفضة).
ستحتاج السعودية بنهاية 2030م إلى حوالي 120 قيقا واط من الطاقة، سيتم إنتاج نصفها من مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية الثلاثة عشر التي تتوزع بين نيوم وشمال وغرب المملكة، وكذلك من مفاعلات الطاقة النووية السلمية التي يزمع تشغيلها خلال السنوات القليلة القادمة. بينما سيتم إنتاج 60 قيقا واط الباقية من الغاز الطبيعي الذي سيعطي السعودية فرصة للجمع بين هذا الخليط لما يصل إلى نصف قرن باعتبار حاصل جميع احتياطيات الغاز المعلنة، والحقيقة أن في هذا تحديا واضحا، ولكنه يسهل تجاوزه بتطوير التقنية المتعلقة باستخدام هيدروجين النفط عوضاً عن كربونه وهو ذات النفط الذي يستطيع أن يمد اقتصادنا لمائة سنة قادمة كحاصل احتياطي وطني.
إن السعودية تقود الآن اقتصاد النفط عالمياً، وهو ما نسميه اقتصاد الطاقة التقليدي، أما اقتصاد الطاقة المتجددة والنظيفة ذو البصمة الكربونية الصفرية فالسعودية لديها الآن الإمكانية لاستدامة دورها في سدة القيادة للطاقة المتجددة من خلال تصدير الهيدروجين الأزرق على هيئة الأمونيا منزوعة ثاني أكسيد الكربون، وذلك باستخدام الكمية الهائلة من الغاز الطبيعي المصاحب للنفط والإمكانية الطبيعية الأعلى عالمياً بمصدر الطاقة الشمسية، حيث إن الإشعاع الشمسي في المملكة يصل في أحسن الأحوال إلى 2200 كيلووات في الساعة لكل متر مربع في السنة، وهو ما يعتبر فرصة ثمينة للقطاع الخاص لتوطين تقنية صناعة الخلايا، حيث ستكون المملكة سوقاً كبيراً للاستثمار سواءً على الصعيد الصناعي أو المنزلي.
ومع كل هذا التوجّه العام للدولة لتعظيم قطاع الطاقة المتجددة وتأسيس المرحلة البنيوية للقطاع ووضع التشريعات للمرحلة الثانية التنافسية إلا أن المستثمرين الوطنيين يكادون يستوعبون السرعة التي تسير بها الدولة، وكذلك قطاع التعليم الذي يواجه تحدياث التعليم عن بُعد إثر جائحة كورونا، وكذلك تطوير المناهج لمواكبة رؤية السعودية 2030.
ولك أن تتخيل عزيزي القارئ، أنه حتى تاريخه توجد فقط 4 شركات في المملكة لإنتاج الألواح الشمسية ولا واحدة منها تنتج الخلايا الشمسية، ولك أن تتخيل أن تخصص الطاقة الشمسية غير موجود إلا في جامعتين أو ثلاثة في المملكة، وما زالت معظم الجامعات تدرّس تخصصات الكهرباء والبترول.
إن المستقبل في مجال الطاقة في السعودية تتضّح سماته في مكونات الهيدروجين الأزرق المنتج من الغاز، والهيدروجين الأخضر المنتج من التحليل الكهربائي الشمسي لمياه البحر لإنتاج الكميات الكبيرة من الكهرباء. أما الكميات المنزلية والتجارية فسيتم تعظيمها عاماً بعد عام لحد الاكتفاء من خلال منظومات الطاقة الشمسية الكهروضوئية الصغيرة.
ولأننا بحاجة للعلماء والمتخصصين والمهنيين في تشغيل وإدارة وصيانة هذا المجال الجديد للطاقة، فهل ستلحق وزارة التعليم ومناهجها وكذلك المستثمرون بسباق الطاقة العالمي ودولتهم ما تزال في طليعة الركب؟ أم أنهم سيتأخرون لحينٍ تسبقنا فيه الأمم الأخرى؟ أترك الجواب لكم.