طرحت مجلة الطليعة السورية أغسطس 1990 قضية شائكة جاءت على شكل استفتاء اشترك في الإجابة عليه عدد من الكتاب، وقد صيغ السؤال على النحو التالي: «إلى أي حد نستطيع أن نقول إن الأمة العربية قد وجدت في واحد أو أكثر من أدبائها من استطاع أن يعكس في نتاجه تمثله لواقعها القومي في التاريخ المعاصر، وأن يعبر بالتالي عن مطامحها ورؤاها للمستقبل؟ وبعبارة أخرى هل يمكننا القول بوجود أديب عربي كما نقول بوجود أديب روسي أو فرنسي؟». هذه هي القضية التي تطرحها مجلة الطليعة وكان مفروضا أن أكون أحد المشتركين في الإجابة على هذا السؤال إلا أنني في الواقع وبعد التمعن في صيغة السؤال وجدت أنه بالإضافة إلى ما يتصف به من غموض، وعدم دقة يتضمن في طياته أيضاً بعض الفروض الخاطئة سواء

من الناحية السياسية أو من الناحية النقدية وربما كان من المفيد أن نلقي الضوء على طبيعة هذه الفروض أو أن نطرحها للنقاش على الأقل.. ولا سيما أن في إجابة بعض الكتاب ما يؤكد وجود هذه الفروض لأنها صيغت انطلاقا منها.

في البداية يظن المرء أن هناك خطأ في الصياغة لا أكثر وأن المقصود هو:


(هل استطاع الأدب العربي بمختلف تعبيراته وأعلامه أن يعكس الواقع العربي، وأن يعبر عن طموحه؟)

وفي هذه الحالة يكون السؤال عبارة عن معيار نقدي وسياسي لقياس دور الأدب العربي في حياة الأمة ومدى أصالته في استيعاب مشاكلها ومطامحها وهذا يعني أننا نفترض بداهة وجود أدب عربي وأدباء عرب، لكننا قد نختلف في تقويم حجم التأثير الذي يمارسه هؤلاء الأدباء في بيئتهم وغنى نتاجهم أو عمقه إلا أن المحرر الأدبي في مجلة الطليعة وضح بحزم:

-لا.. السؤال هو: هل هنالك أديب عربي أم لا..؟ أو بتعبير آخر.. هل وجد الأديب العربي حتى الآن؟

تساءلت مندهشًا:

-ماذا تسمى إذن كل أدبائنا في سورية ومصر والسودان والعراق ولبنان وكل الأقطار العربية؟

أجاب:

- هؤلاء في رأيي كتاب إقليميون لم يعبروا في أغلب الأحيان إلا عن مشاكل بيئتهم المحلية الضيقة، ولم يستطيعوا أن يتجاوزوها إلى الأفق القومي.

- وماذا تعني بالأفق القومي؟.. حين يعبر أحد الكتاب وبصدق عن مشاكل بيئته المحلية في مصر مثلا فإنه يعبر في الوقت نفسه ومع اختلافات طفيفة في التفاصيل عن مشاكل البيئة المحلية في سورية وفي العراق وفي المغرب وفي هذه الحالة فإن العمل الأدبي هو بالتأكيد ذو أفق قومي.

أجاب:

ولكن قد نجد بعض ملامحنا ومشاكلنا منعكسة في مؤلفات كتاب أجانب مثل دوستفسكي أو ستندال، ولذا فليس هذا دليلًا على أن هؤلاء الكتاب قد تجاوزوا المحلي إلى الأفق القومي أي إلى أن يكونوا «نموذج الكاتب العربي» وسألت:

-مرة أخرى.. ماذا تعني بالأفق القومي وماذا تفترض أن يتوفر للكاتب كي يكون عربيًا؟

-ربما لا أعرف بالضبط هذا ما أسأل عنه إنما يمكنني القول بأن الكاتب العربي هو الذي يعبر عن الهاجس القومي هو الذي ينعكس في مؤلفاته وجود الأمة التي لم تتحقق وحدتها علميا بعد.

إذن بهذا المعنى ومن خلال حوارنا مع المحرر الأدبي لمجلة الطليعة يحق لنا الاستنتاج بأن أول افتراضات هذا السؤال المشوش الذي طرحته المجلة للنقاش، هو تعريفه للكاتب العربي بأنه ذلك الشخص الذي يعكس في كتابته فقط الهاجس القومي كطموح إلى الوحدة، بمعنى أننا إزاء طرح متعسف للأدب العربي أو للأديب العربي ويصوغ محيى الدين صبحي هذا التأطير بدقة وصراحة في إجابته إذ يقول:

(إن للأمة العربي وجودين.. أحدهما وجود عضوي مادي لا يعتد به أبداً تجاه وسائل الإفناء الموجهة ضدها بتصاعد مستمر والآخر وجود بالقوة) ثم يضيف «فبقدر ما يستوعب كتاب العربية هذا الوجود بالقوة المتمثل في آمال الشعوب العربية وحقائق التاريخ العربي بقد رما نستطيع أن نطلق عليه تسمية – كاتب عربي – على أساس أن العروبة محتوى ومضمون قيد الإنجاز قيد الصيرورة...) إلى أن يقول: (التشبع بآمال المستقبل وحقائق التاريخ هو وحده الطريق إلى فن عربي، لا يدخل فيه مفهوم الواقعية التي مارسها حتى اليوم كتاب معنيون بإظهار الصراع الطبقي وتزييفه، ولا الواقعية الاجتماعية في تصوير بيئة القاهرة أو السودان أو.. بل إنها واقعية تستوعب هذا الواقع التافه وتعلو عليه لتستشرف صورته الحضارية ومصيرها التاريخي).

ومن كلام محيى الدين صبحي لا يتأكد فقط التأطير المعتسف لمفهوم الأديب العربي وإنما يظهر أيضًا جانب آخر من الجوانب المغلوطة بهذا المعنى هو طموح مجرد ومطلق وليست له أرضية اجتماعية أو سياسية أو تاريخية إنه بشكل ما طموح مثالي يحكم بقسوة على كل نتاجنا الأدبي وربما على كل نتاجنا الحياتي فيلغي عروبته لأنه يعالج بيئات محلية ومشاكل ضيقة طبقية واجتماعية دون أن يستوعب كل الأفق القومي مرة واحدة.