قبل أكثر من نصف قرن وبالتحديد عام 1389 من الهجرة، زارت مجلة «العربي» الكويتية مدينة «أبها» ضمن استطلاعاتها الشهرية عن الوطن العربي، يتحدث الكاتب عن المشتل الزراعي، وبالذات عن مليوني شجرة زيتون بري في عسير وتسمى «العتم»، ويشير إلى أن مكتب الزراعة في أبها يعمل على إعادة تأهيل هذه الأشجار، عن طريق تطعيمها بأنواع أخرى مستوردة من الأردن وسورية، وقد شاهد الكاتب نماذج تم تطعيمها بشكل جيد على حد تعبيره، مما يؤكد نجاح التجربة. ترى ما هو مصير تلك المحاولة الزراعية؟ ليتحقق الهدف المأمول من التنمية الريفية، والإصلاح الزراعي، واستغلال الموارد البيئية، والسلع التحويلية، وتطبيق وسائل التكنولوجيا الحديثة في ميادين الإنتاج الزراعي لمثل هذه الشجرة وغيرها، تنويعا لمصادر الدخل، وتنمية للعنصر البشري.

كنت أعتقد أن أول كلية في عسير هي «كلية الزراعة» في جامعة الملك خالد بأبها، لتكون عنوانا لبداية عصر جديد من الحضور العلمي مع الأرض، وهويتها الزراعية الخصبة والمتعاظمة، وتأكيدا للروح الفلاحية التي تتمتع بها الكائنات العاشقة لعوالم النبات وأسرار الأرض السخية في عسير. ولما تمثله الزراعة من مستجلب اقتصادي وأمن غذائي لبلادنا العزيزة.

* لا تحلق التنمية في المجتمعات والأمم إلا بأجنحة الطرق والمواصلات والدروب المعبدة، بل هي ضرورة حضارية ومنطلق وظيفي في تدعيم العلاقات الإنسانية بين الأفراد والجماعات، والانفتاح السلعي والتجاري بين مكونات الأوطان، والتواصل الغيري بين البشر، واستنبات أواصر التفاعل والحراك بين أبناء الوطن الواحد، ضمن نسيجه الفكري والمعرفي المتداخل والمتلاحم. وقد حظيت عسير بشبكة رائعة، وإنجازات ضخمة من الطرق العملاقة، لا ينكرها إلا جاحد أو مكابر، ولكن هناك «طريقان» بل معضلتان مضى عليهما أكثر من «عشرين» عاما دون أن يتحققا على أرض الواقع، أحدهما طريق «محايل.سعيدة الصوالحة» الرابط مع خط الساحل، والذي قيل في حينه إن سبب تعثره كان بسبب إمكانات بعض المقاولين المتواضعة، والاعتمادات المالية المجزأة للمشروع، وغيرها من العوائق غير المقنعة، رغم ما يشكله هذا الطريق غير المزدوج من قيمة حيوية وحياتية وتنموية. والطريق الآخر مضى عليه عشرون أخرى، ولا يزال متوقفا، وهو «طريق جندلة.عرمرم. الحريضة» وقد نفذت وزارة النقل «ثلثي» الطريق، والبقية تنتظر استكماله دون معرفة الظروف التي أدت إلى توقفه لعشرين عاما. الطريق يخدم كثيرا من القرى الآهلة بالسكان، سواء في منطقة عسير أو منطقة جازان. وكذلك «سعيدة الصوالحة» سوف يختصر الوقت ويخفف وعثاء السفر، ويقلل المعاناة على المسافرين، كمفتاح وبوابة مشرعة إلى المنطقة الغربية من بلادنا. عشرون عاما أعطبت كثيرا من الأمنيات المبعثرة والأحلام المؤجلة.


*نشرت صحيفة «الوطن» يوم الأحد ٢٩ ربيع الأول عام ١٤٢٩ من الهجرة، خبرا يتضمن توجيه إمارة منطقة عسير، بتأسيس مركز لتوثيق التراث الثقافي والفني بكافة اتجاهاته، في مختلف المحافظات والمراكز في المنطقة. ولذا نعيد التذكير لإحياء تلك الفكرة الحضارية، والاحتشاد لها كمعطى سياحي واقتصادي وتوثيقي، نظرا لما يتهدد الذاكرة الجمعية من تحولات وتحديات مربكة، وطفرات ملحة، وانقطاعات ملتبسة. تدفع الأجيال إلى التباعد والاغتراب وضعف الصلة مع موروث بلادهم، وما تمثله من تفرد وأصالة ومخزون تاريخي، بما يعزز ويعمق الهوية، فتوثيق التراث الثابت والمنقول، والتراث الفعلي والقولي، هو صون وحماية وإحياء له عبر الأزمنة والعصور، وحفظ له من الانقراض والاندثار والتلاشي.