بعد أن عانت اليابان ما يقرب من 70 عاما من العزلة الدولية كرويا، قطع منتخب «الساموراي الأزرق» بشكل مذهل شوطا طويلا، بظهور مونديالي سادس على التوالي منذ عام 1998. ربما يمكننا إيعاز ثورتهم الكروية إلى حد كبير إلى تشكيل أول دوري كرة قدم احترافي قبل 3 عقود فقط، إلا أن لاعبا معينا أسهم في إلهام جيل من اليابانيين للإقبال على هذه الرياضة، بيد أن هذا اللاعب ليس سوى طالب مدرسة خيالي مهووس بالكرة يدعى «كابتن تسوباسا»، أو كما نعرفه في العالم العربي باسم «كابتن ماجد».

مفاجأة كبيرة

من بنات أفكار الفنان والرسام الكارتوني الياباني يوتشي تاكاهاشي، تم تصور فكرة كابتن «تسوباسا»، الفتى اليافع الراغب في أن يصبح نجم كرة قدم خلال سنوات دراسته الثانوية. جاء قرار تاكاهاشي بوضع بطل الرواية، في عالم كرة القدم الأجنبي آنذاك مفاجأة كبيرة، لأسباب ليس أقلها أنه في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، كما هو الحال اليوم، كانت «السومو» الرياضة الوطنية لليابانيين، بينما تعد البيسبول بلا شك الأكثر متابعة، ولكن في وقت بداية موجة القصص المصورة المعروفة باسم «المانجا»، كانت مباريات كأس العالم عام 1978 في الأرجنتين تبث مباشرة في اليابان، وأسرت تاكاهاشي الذي كان يتابعها على الشاشة، وبدأت في إبعاده عن التسلية الأكثر شعبية في بلاده، وظهرت شخصية «تسوباسا» لأول مرة في مجلة هزلية عام 1981، وطوال أربعة عقود وحتى اليوم، تم تخليده في ما لا يقل عن 15 سلسلة «مانجا» وستة مسلسلات أنمي وأربعة أفلام طويلة و14 لعبة فيديو ومجموعة ألعاب، ملابس وتذكارات، أكدت مكانته كواحد من أكثر مسلسلات المانجا والأنمي اليابانية قيمة.


رسم ورياضة

كان تاكاهاشي أكثر ارتياحا لفكرة لعبة البيسبول، ويتذكر «عندما كنت صغيرا جدا، كنت أحلم بأن أصبح لاعب بيسبول، لكن في سن العاشرة أو الحادية عشرة أدركت أن ما أحببته حقا هو رسم الرسوم الهزلية»، وعندما بدأ تاكاهاشي في إنتاجها لأول مرة، ابتكر قصصا مصورة متعلقة بهذه الرياضة، ولكنه كلما بحث عن كرة القدم، عرف مكانتها العالمية وسرعان ما وقع تحت تأثيرها، ربما لم تكن كرة القدم رياضة مواطنيه المفضلة، ولكن اتضح له أنها الرياضة الأولى عالميا، وهكذا أنشأ تاكاهاشي شخصية لاعب كرة القدم «تسوباسا أوزورا»، وجمع بين الرسم والرياضة من خلال عمله الناجح «كابتن تسوباسا»، الذي تم إطلاقه عام 1986 بهدف الترويج لكرة القدم في اليابان، وثابر تاكاهاشي على أسلوبه غير التقليدي، على الرغم من أن ذلك كان يتطلب منه أن يشرح للمشاهدين في البداية ما هي «كأس العالم» بالضبط، ومما يبعث على الارتياح، أن جاذبية كرة القدم في اليابان ستتحدث عن نفسها قريبا.

تشابه مذهل

في الحلقة الأولى من عرضه الشهير، أثير سؤال طرحه الراوي «متى ستشارك اليابان في كأس العالم؟»، وأجاب بطل الرواية الكارتونية بثقة «في يوم من الأيام، سأحقق ذلك!»، على الرغم من أن «تسوباسا» قد يكون خياليا، إلا أن رده الحازم لم يكن بعيدا عن الحقيقة تماما، ففي نظر كثيرين، ساعد «تسوباسا» اليابان في التأهل لسلسلة نهائيات متتالية، وعندما ربطت صحيفة «نيبون» خلال مقابلة معه عام 2011، ظهور «تسوباسا» بازدهار الكرة في اليابان وتسريع تطويرها، رد تاكاهاشي بتواضع «لا أعتقد أنه تأثير تسوباسا بقدر ما هو جاذبية كرة القدم نفسها، التي أدت إلى القبول الواسع الذي تتمتع به اليوم»، وكشف رسام الكاريكاتير عام 2013، أن برشلونة كان مصدر إلهامه الرئيس، لتطوير حبكات مسلسله الخاص بالليجا الإسباني، وأن هناك تشابها مذهلا بين لاعبه المفضل أندريس أنيستا وتسوباسا، معترفا بأنه أصبح متعصبا حقيقيا لبرشلونة، عندما تولى الراحل يوهان كرويف المسؤولية كمدير فني، مبينا «كنت مفتونا بفلسفته وجذب أسلوبه انتباهي أكثر من أي شيء آخر».

بزوغ نجم

على الرغم من دبلوماسية تاكاهاشي، لا يزال هناك دليل كاف في الواقع، يشير إلى أنه الكابتن «تسوباسا»، كان مسؤولا إلى حد كبير عن إشعال حب كرة القدم لدى عدد من الشبان، خاصة في حالة لاعب الوسط الياباني الأسطوري هيديتوشي ناكاتا، ويتذكر الرجل الذي اعتبره كثيرون أفضل لاعب ياباني على الإطلاق، أثناء مقابلة سابقة مع مجلة FIFA «في اليابان، قبل 20 أو 30 عاما، كانت لعبة البيسبول السائدة وكانت كرة القدم على وشك البداية، لذلك لم يكن لدي أي أبطال أتطلع إليهم أو فرق أحلام»، مضيفا «لكن كانت هناك مجلة كارتونية تدعى الكابتن «تسوباسا»، وعندما قرأتها أحببت كرة القدم حقا.. كنت أفكر في لعب البيسبول أو كرة القدم واخترت الأخيرة»، وعندما أفسحت تسعينيات القرن الماضي الطريق إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومع وجود بطل خيالي ممثلا في الكابتن «تسوباسا» وبزوغ نجم بطل واقعي ممثلا في ناكاتا، بدأ جيل من الأطفال اليابانيين يبتعدون عن البيسبول وحياة الفنون القتالية، وأصبحوا مدمنين بشكل لا لبس فيه على كرة القدم.

أعماق إسبانيا

تطورت مسيرة «تسوباسا» الاحترافية، خلال عدد من القصص الجذابة، وأصبح لاعب كرة القدم الشاب رحالة، فبعد بداية من المحيط المتواضع لمدينة نانكاتسو الخيالية، لم يمض وقت طويل، حتى بدأت مغامرات «تسوباسا» في البرازيل وإسبانيا، ويعود الفضل جزئيا إلى هذه اللوحة الدولية المثالية، التي رسم تاكاهاشي السلسلة من خلالها، إلى ازدهار العرض بعيدا عن حدود بلد المنشأ، وإيجاد جماهيرية آسرة في جميع أنحاء العالم، وبالتالي، لم يقتصر إلهام «تسوباسا» بحب ورغبة النجاح في هذه اللعبة الجميلة، على جيل من الأطفال اليابانيين فقط، بل وصل إلى الخارج، ووجدت السلسلة مكانا خاصا بها في أعماق قلب إسبانيا بدرجة أكبر من أي دولة أخرى، وفي أنحاء دول البحر الأبيض المتوسط المجنونة بكرة القدم، حظي الأنمي، الذي أعيدت تسميته باللغة الإسبانية إلى «أوليفر وبينجي»، اعتمادا على الألقاب المفضلة جغرافيا لأبطالها، بشعبية كبيرة وسيكون مسؤولا عن التقاط خيال آلاف الشباب الناطقين بالإسبانية، بما في ذلك ليونيل ميسي.

كبير المعجبين

أثناء تواجده في اليابان للمشاركة في كأس العالم للأندية، مع فريقه الإنجليزي تشيلسي، سأل الصحفيون المحليون الهداف الإسباني فرناندو توريس عن حقيقة تعلقه بسلسلتهم المحبوبة، والتي قرأوا أنه استمتع بها عندما كان طفلا، ورد عليهم بابتهاج «أتذكر عندما كنت طفلا، كان كل شخص في المدرسة يتحدث عن هذا المسلسل الكارتوني الياباني عن كرة القدم، كانت السلسلة تسمى «أوليفر وبنجي» في إسبانيا، وقد بدأ هذان اللاعبان في فريق الشباب، وانضما إلى المنتخب الوطني وفازا بكأس العالم، ثم انتقلا إلى أوروبا، لذلك كان الأمر أشبه بحلم»، مبينا «لقد بدأت لعب كرة القدم بسبب هذا.. أردت أن أكون أوليفر»، ويعد النجم التشيلي أليكسيس سانشيز معجبا شهيرا آخر بالسلسلة، حيث كشف كاتب سيرته الذاتية عام 2017 عن مدى ذلك الإعجاب «عندما كان أليكسيس في برشلونة، كانت لديه المجموعة الكاملة، وأعتقد أنه لطالما ربط مسيرته الاحترافية بهذا العالم الخيالي.. إنه يرى نفسه كشخصية كرتونية، يركض إلى الأبد على أرضية لا تنتهي، سعيا وراء هدفه النهائي».

تلميح سحري

على مر السنين، تباهى عدد من لاعبي كرة القدم بحبهم لشخصية «تسوباسا» الملهمة، من الفائز بكأس العالم الإيطالي أليساندرو ديل بييرو، الذي عرف المسلسل باسم منقح آخر «هولي وبنجي»، وسبق أن استخدم رسما له و «تسوباسا»، رسمه تاكاهاشي بنفسه، كصورة لملفه الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى بطل العالم الإسباني أندريس إنييستا، الذي تم تصويره وهو يرتدي ملابس مستوحاة من الأنمي، ومؤخرا قابل تاكاهاشي لتلقي رسومات مهداة من الفنان نفسه، احتفاء بانتقاله إلى فريق فيسيل كوبي الياباني، حيث انضم إلى فائز آخر بكأس العالم، الألماني لوكاس بودولسكي، المعجب أيضا بالكابتن «تسوباسا»، ولاحقا تحدث عظماء اللعبة، بمن فيهم الفرنسيان زين الدين زيدان وتييري هنري والإيطالي جينارو جاتوزو، عن حبهم للأنيمي الذي شاهدوه وهم أطفال، ومثل سابقيهم، وبعد أن رفعوا كأس العالم أيضا خلال مسيرتهم الاحترافية، ربما يكون هناك تلميح سحري يرتبط بمشاهدة رسم كاريكاتوري مستوحى من نفس المنافسة.

امتنان وتكريم

اليوم، في حي كاتسوشيكا الصاخب في طوكيو، حيث نشأ يوتشي تاكاهاشي نفسه، يقف هناك بفخر تمثال برونزي يصور الكابتن «تسوباسا»، وهو مجرد واحد من مجموعة منحوتات منتشرة في جميع أنحاء المدينة، المشيدة تكريما لابنها الأكثر إلهاما، وعلى الرغم من أن التواضع الفطري، قد يمنع تاكاهاشي من الاعتراف علانية بالتأثير اللامحدود لإبداعه المؤثر، إلا أنه لا يمكن إنكار أنه حقق هدفه الأساسي المتمثل في إلهام حب أكبر لكرة القدم، في جميع أنحاء موطنه اليابان، من خلال اكتشاف جمهورها الأوسع في بلدان وقارات بعيدة عن حدود وطنه الأم، ونواياه لجعل عالم كرة القدم مكانا أفضل، وبالطبع، أفضل دليل على ذلك، ليس في شكل منحوتات وأوسمة، ولكن في جموع لاعبي كرة القدم الذين تعرفوا على اللعبة الجميلة، من خلال القصة التي تخيلها، ويدين عالم كرة القدم بامتنان كبير للكابتن «تسوباسا» ومبدعها المتواضع تاكاهاشي، لدوره في توسيع نطاق احتضان اللعبة، وفتح أعين عدد من نجوم المستقبل على روائعها العديدة.