وبالرغم من هذا التحدّي إلا أن المملكة العربية السعودية لديها خطة ممتازة للتأقلم، وإدارة أسواق النفط العالمية لمواجهة أي توافر للمعروض النفطي الأمريكي الخفيف، وهو المتوقع بدءًا من 2021 حتى نهاية العقد، أي بحلول 2030، هذا إذا ما استثنينا أي قيود سياسية سوف يضعها سيد البيت الأبيض القادم على صناعة النفط الأمريكي بشكل عام، والتي يتوقع أن تسهم في خفض المعروض الصخري وتقييد الصناعة النفطية بالعودة إلى اتفاقية المناخ التي كان الأمريكيون يرونها مجحفة بحقهم منذ 2017، وعندها ستتغير قواعد أسواق النفط بشكل مؤقت لتعطي للتقليديين فرصة للابتكار.
إن النموذج المرن للقيادة السعودية ساعد المملكة خلال العقود الماضية في تجاوز الكثير من الأزمات الاقتصادية العالمية، بل جعلها تقتنص الفرص الاستثمارية والصناعية الواعدة لضخ المزيد من الدخول غير النفطية إلى خزينة الدولة، فقبل أيام وقعت السعودية اتفاقية مع أذربيجان، كأول مشروع مستقبل باستثمار سعودي لاستغلال طاقة الرياح في أذربيجان بسعة 240 ميجا واط، وهذا مجرد مثال على المرونة السعودية التي تنتهجها وزارة الطاقة حاليًا.
دعوني آخذكم إلى نموذج سعودي مشرف آخر، حيث كان اللقاء المتلفز الأسبوع الماضي مع السيد يوسف البنيان الرئيس التنفيذي لشركة سابك شيقًا ومشبعًا بالاعتزاز والفخر لهذه القدرات السعودية العبقرية في قيادة قطاع الطاقة. لقد اقتنصت سابك فرصة ازدياد الطلب الصيني على المنتجات البتروكيميائية والأسمدة وانحسار الإنتاج الأمريكي بسبب تحديات الغاز والإنتاج النفطي في فترة الثمانينيات والتسعينيات الميلادية لتتبوأ مكانة عالمية كأحد أهم المصدرين الموثوقين للكيميائيات والبوليمرات والأسمدة في العالم.
واستفادت سابك في بداية الألفية الجديدة من الأزمة الاقتصادية الخانقة على أعمال الكيميائيات، وقامت بالاستحواذ على شركة «جي.إي» للكيميائيات ما ساعدها على توزيع «البيض الخاص بها» في سلال متعددة، وهو ما جنت نتائجه العام الماضي 2020 تحت ظروف جائحة كورونا بعد الحظر الكلي والإجراءات الاحترازية من تقييد السفر والتبادل التجاري، فما كان من سابك إلا أن وصلت لزبائنها في فترة أقل من خلال أذرعها الصناعية في الخارج، وحققت أرباحًا مشرفة في الربع الثالث والرابع، رغم تسجيل شركات مشابهة لسابك نتائج سلبية أو أقل من المأمول.
والآن والعالم في طريقه إلى التعافي من آثار جائحة كورونا، بقيادة الصين والسعودية أكبر المؤثرين على أسواق الطاقة المتعافين، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، والتي لا تزال تعاني من آثار الجائحة، فإن الفرص تبرز أمام السعوديين وصناع القرار في وزارة الطاقة لمواجهة انطلاقة النفط الصخري الأمريكي الخفيف (LOT) المتحفزة، على الأقل خلال العقد الجديد، بطرق أكثر مرونة وأكثر ابتكارية من خلال تطويع التقنية الرقمية في تقنيات التكرير للمصادر الحالية، وأيضًا بحث فرص الاستثمار النفطي في مجال النفط الأمريكي الصخري الخفيف والاستحواذ على حقوق الاستخراج والتكرير النفطي في الولايات المتحدة، تمامًا كما فعلت سابك في الجانب الكيميائي، فشركة أرامكو السعودية هي شركة عظيمة بمقدراتها وكفاءاتها ولديها القدرة والمكانة على لعب دور عالمي لابتكار طريق جديدة لمعالجة النفط الحامضي والمتوسط الكثافة التي تنتجه حاليًا، وأيضًا شراء مصافي النفط الأمريكية ذات الإنتاج النفطي الخفيف.
وبين هذا وذاك، يبرز دور السعودية كأهم حليف نفطي للصين والهند للوفاء بالنمو الكبير الذي ستشهدانه، والرابح في السوق النفطي سيكون بالتأكيد الأسرع في الإمداد والأقدر على الاستخراج بأقل كلفة، وصاحب الهامش السعري الأوسع، وقبل هذا كله صاحب النفط الأنظف والأكثر حلاوة والأمثل لحلول المستهلكين.. فهل ستكون خيارات النفط السعودي أكثر اتساعًا خلال العقد الجاري؟